قيدك أم حريتي

قيدك أم حريتي
قيدك أم حريتي
عندما رن جرس الهاتف

 
رن جرس الهاتف الساعة الثانية صباحاً ، مخترقاً سكون الليل ، استيقظت أنا وزوجتي على رنينه المتواصل ، قفزت زوجتي من سريرها مسرعة للرد عليه ، تبعتها بفضول ، سألتها بنبرة شك _ من المتصل ؟؟ أجابت ببرود لم يرد أحد.. ارتمت على السرير تدثرت باللحاف ، عادت للنوم من جديد ، حاصرني القلق ، لم يغمض لي جفن حتى خيوط الفجر الأولى ، كنت أفكر في هذه الاتصالات الغامضة التي أصبحت تتكرر كل ليلة تقريباً .. تُرى ما سر اهتمامها الزائد بهذه المكالمات !! ولماذا كل هذه اللهفة وهذا الفضول في الرد عليها !! هل تنتظر مكالمة من شخص معين !! تأملت ملامحها وهي مستغرقة في نومها .. أمعقول أن يكون هذا الوجه الملائكي ، الطفو لي التقاطيع ، مجرّد قناع تطوي تحته الخيانة !! أمن الممكن أن يكون في حياة زوجتي رجل آخر !! لقد لاحظت في الفترة الأخيرة شرودها ، وعندما سألتها عن سبب هذا التحول ، بررته بقلقها لمرض والدتها .. لا .. لا يجب أن أشق للشيطان طريقاً في نفسي ، والسيطرة على تفكيري في إقناعي بخيالات لا أساس لها من الصحة .. عند الصباح قمت متكاسلاً لعملي ، سألتني في رِقة _ ماذا تحب أن تأكل اليوم على الغذاء ؟؟ أجبتها بتقطيبة تعلو جبيني _ اعملي أي شيء .. نظرت لي بدهشة قائلة _ ما بك !! هززت رأسي قائلاً _ مجرّد رغبة في النوم ، لم آخذ كفايتي ليلة البارحة .. ثم استرسلتُ _ من في رأيك صاحب هذه المكالمة المجهولة !! ردت بثقة _ كل بيت يعاني من المعاكسات .. أردت أن أرد عليها بأن الشيء الغريب أن تهب من سريرها ، والنعاس يتملّكها لترد على الهاتف ، لكني آثرت الصمت ، وذهبت لعملي وغمامة من الكآبة تحوطني من كل جانب .. لم أستطيع الاندماج في العمل ، فكري شارد ، اتصلت بالمنزل عدة مرات ، الخط مشغول ، من تحادث يا ترى !! ربما استغلت غيابي لتنفرد بمحادثته ، الخائنة .. لماذا أوقعتْ نفسها في هذا الخطأ الفادح !! لن أبقيها على ذمتي يوماً واحداً ..

عاودت الاتصال مرة أخرى ، الخط ما زال مشغولاً ، لم يكن أمامي سوى الاستئذان من المدير والرجوع سريعاً للمنزل ، طوال الطريق والوساوس تنخر فكري ، تخيلت مشهداً مروعاً ، أنني أفتح الباب بحذر ، أسير على أطراف أصابعي ، أجدها ممسكة بسماعة الهاتف ، تناجي في حرارة عشيقها المجهول على الخط الآخر ، أستشيط غضباً ، أنزع من يدها السماعة ، أطبق بأصابعي على رقبتها ، أضغط بقسوة حتى تفقد مقاومتها ، ترتمي على الأرض جثة هامدة .. أستعيذ من الشيطان ، اقتربت السيارة من البيت تمنيت أن تكون توجساتي خاطئة ، لم أضرب بوق السيارة كالعادة ، آثرت التسلل بحذر ، فتحت الباب ، البيت يحاصره الهدوء .. غريب ، الخادمة لا أسمع لها صوتاً ، دلفت لغرفة الجلوس لم ألق أحداً ، سماعة الهاتف ملقاة على الأرض ، ربما لهذا السبب ظل الخط مشغولاً .. من رماها على الأرض !! دلفت لغرفة ولدي الصغير لم يكن في سريره ، هرعت لغرفتي ، قميص نوم زوجتي ملقى على السرير ، دولاب ملابسها مفتوحاً على مصراعيه ، ناديت عليها ، لم تجبني ، أعصابي توترت ، أين ذهبت يا ترى !! ماذا حصل في غيابي !! هل سوّلت لها نفسها الهروب مع عشيقها !! وأين اختفى ولدي !! كان يجب أن أتوقع الغدر منها ، النساء في هذا الزمان ليسوا كنساء الأمس ،لن أعطي الأمان بعد اليوم لإمرأة مهما فعلت لأجلي ،حتى لو أقسمت أمامي بالوفاء والإخلاص كنت دوماً زوجاً مثالياً ، حققت لها كل أمانيها ، أحبتْ أن تتعلم الإنجليزية لم أمانع ، شجعتها على الاستمرار حتى أتقنتها ، رغبت أن تأخذ دروساً في تشغيل الكمبيوتر لم أعارض ، اخترت لها أكبر المعاهد المتخصصة .. أشياء كثيرة فعلتها ، كنت دوماً أسعى لإسعادها ، وهذا كان خطئي ، لأنني لم أستمع لنصائح أصدقائي حين كانوا يقولون لي لا تُرخي الحبل للمرأة دوماً ، كن حازماً ، شديداً ، حتى تستطيع كبح جماح تمردها ، وتقود عربة الزواج بمهارة .. لم أبالِ بنصائحهم ، وها هي النتيجة .. الطعن من الخلف .. سمعت أصواتاً وضوضاء وجلبة في حديقة البيت ، هرعت للخارج ، وجدت زوجتي متلفحة بعباءتها ، وجهها مصفراً ، متهالكاً ، اندفعت نحوها بحماقة ، انهلت عليها ضرباً ، رميت عليها يمين الطلاق ، وقفت أمامي ذاهلة دون حراك ، لمحت الخادمة تدلف من بوابة الحديقة حاملة ولدي بين زراعيها ، ويده اليمنى ملفوفة برباط الجروح الأبيض ومرفوعة إلى أعلى كتفه ، وعربة المستشفى تنطلق على الرصيف ، مخترقة بصفيرها العالي جدار الندم في أعماقي ..