حبيبتي من تكون ؟!

حبيبتي من تكون ؟!

حبيبتي من تكون ؟!

الجمعة 1/4/2005

 
للفنان عبد الحليم حافظ أغنية جميلة يقول مطلعها: الرفاق يتساءلون…حبيبتي من تكون؟! مطلع هذه الأغنية يتوافق بالفعل مع الحال الذي تعيشه اليوم أغلبية الشعوب العربية. فقد كثر الحديث وتشعّـب في الآونة الأخيرة عن معنى كلمة حرية، وفي وضع ماهية محددة لها، كون الحرية والديمقراطية وجهين لعملة واحدة.
 
ما هي الحرية؟! هل هي حق مباح طالما لم تتجاوز الشعوب الخطوط الحمراء التي تضعها الأنظمة تجاه أمور معينة؟! أم أن الحرية تلك التي يتطلع أصحابها إلى بناء عالم متوازن يحمي الضعيف من سطوة القوي؟! أم أن الحرية هي الحرية، في قدرة المرء على التنفس والسباحة في مياه عميقة، دون أن يتهيّب من دوامات البحر المفاجئة التي تسحبه لقاعها وتودي بحياته؟!.
 
الحقيقة أنني نظرت خلسة حولي، فوجدت أن الحرية في عالمنا العربي أصبحت حرية معاقة، تمشي مشية عرجاء بعد أن بترت أيد مجهولة أحد ساقيها كي لا تدخل في مسابقات العدو للمسافات الطويلة حتّـى أضحت تثير شفقة كل من يراها في الغدو والرواح.
 
هل بالفعل الحرية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة دون أن تجد من يترحم عليها؟! هل غدا الناس منقسمين حولها، ما بين مؤكد لعذريتها، وبين متشكك، وبين داحض لوجودها؟! بعض المثقفين يرون أن الحرية هي فعل مكتسب، بمعنى أن أغلبية الشعوب العربية لم تصل إلى مرحلة النضج الثقافي والفكري الكاملين لكي تمارس شعائر الديمقراطية، وأن تفلت جميع الخيوط سيخلق ردود عكسية وسيحدث فوضى أمنية، مما يستوجب وضع ألجمة على أفواه الشعوب حتّـى تعي تدريجيا معاني الديمقراطية! لا أدري كيف يمكن أن تنضج الحرية في فكر الفرد العربي ويعي مفرداتها، إذا ظل مقيدا بحجة أنه ما زال قاصرا لم يبلغ الحلم!.
 
هذه الأعذار هي التي ساهمت في قيام العديد من الأنظمة العربية إلى تقييد حركة شعوبها بحجة حمايتهم من العواصف المدمرة، والنتيجة أن العالم العربي أصبح متخلفا لم يستطع إلى اليوم اللحاق بركاب الأمم المتحضرة. لقد تعلمتُ من خلال ما قرأته عن تاريخ الأمم، أن الحرية هي حق ملزم لكل كائنات الأرض. والحرية لا تحتاج دروساً مكثفة ولا نوادي ترفيهية ليتدرب فيها الفرد على ممارستها. فالطائر الذي يظل حبيسا في القفص لن يتمكن من الطيران إلا إذا عاش طليقا، يقف ويقع حتّـى يُـتقن الطيران وُيـحلّق في الفضاء. كما أنني أرفض استيراد الحرية من الخارج كونها ستظل حرية شكلية تلبس “البرنيطة”!. الحرية التي تُـفرض من الخارج مثل المعلبات الجاهزة التي تفقد نكهتها الطبيعية نتيجة للمواد الحافظة التي تُـساهم في بقائها فترة محددة فقط. لكن هذه المبررات لا تعني أن تستخدمها الأنظمة العربية “كمسمار جحا” لكي تُـضيّق الخناق على شعوبها، بل يجب أن تكون دافعا قويا لبناء مؤسسات مدنية حقيقية تحترم حقوق الفرد العربي، وتحميه من التبعية للغرب.
 
إن الحرية ليست ماكينة تفريخ لشعارات مضللة، بل هي نطفة مغروسة في وعي الإنسان منذ ولادته، تنضج مع توالي السنين، وتراكم الخبرات، ويكفي أنها غدت اليوم شبحا يؤرّق نومنا، نسمع خطواته المتثاقلة وهو يسير مترنحا في الطرقات الخلفية، مدندنا بصوت حزين: أما آن لهذا الليل أن ينجلي، لتشرق شمس الحرية في فضاء العالم العربي.