وقالت الشعوب كلمتها

وقالت الشعوب كلمتها

وقالت الشعوب كلمتها

الجمعة 10/6/2005

 
أجمل إحساس يتذوقه المرء في حياته، حين يرفع راية رأيه في الطريق، ويمشي بها متبخترا في طرقات وطنه، فلا يُفاجأ بأيدٍ مجهولة، تمتد نحوه في الظلام لتعيق حركته، أو آلة حادة تُـسدد إلى قلبه في العتمة الحالكة، لتصمت صوته إلى الأبد، أو يستيقظ صباحا ليُفاجأ بأنه متهم بالخيانة العظمى، ويُساق بين يوم وليلة إلى السجن، ليقضي عمره كله خلف القضبان، دافعا حياته ثمنا لرأيه المعارض لسياسة بلاده، أو نتيجة مطالبته بالعيش بكرامة على أرضه.
 
بالأمس رقص الهولنديون فرحا في الحانات، بعد أن تم الإعلان عن نتيجة الاستفتاء برفضهم للدستور الأوروبي، الذي يتطلّب موافقة جميع الدول الـ25 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكان الفرنسيون قد سبقوهم بكلمة لا أيضا، كون الاتحاد الأوروبي من وجهة نظرهم، قد أدى إلى تفاقم مشاكلهم المعيشية، من ارتفاع لمعدلات البطالة، وفقدان لهويتهم الثقافية التي يعتزون بها، إلى جانب إيمانهم بأنه قد جلب لهم الفقر، وانتشار الجرائم المنظمة، والارتفاع الجنوني في الأسعار، وأن الحكومة الفرنسية لم تراع ظروفهم الحياتية.
دمعت عيناي وأنا أتابع الرئيس الفرنسي جاك شيراك على شاشات التلفاز قائلا بنبرة حزينة “القرار السياسي للمقترعين”. لم يُرسل قواته لتأديب الناخبين المعارضين للدستور وضربهم في الشوارع! ولم يزج بأحد من أفراد شعبه في المعتقلات، عقابا لرأيه المخالف لتوجهاته!! ولم يُصادر حق شعبه في التعبير، بحجة أنه ما زال في طور المهد بحاجة إلى الوصاية والانقياد! ولم يُجبر أي شخص على الذهاب لمكاتب الاقتراع والتصويت لصالحه! ولم يُحاول أن يزوّر في نتيجة الانتخابات لتصبح 99%!.
 
كلما قارنت بين ما حدث في فرنسا برفضها للدستور الأوروبي، والذي أدى إلى إسقاط الحكومة، وبين ما يجري على أرضية معظم بلداننا العربية، أتساءل بأسى… متى ستتعلم الأنظمة العربية، هذا المسلك الحضاري في التعامل مع شعوبها؟! متى ستكون قادرة على تحمّل آراء مواطنيها، والإذعان لمطالبهم، وتتعامل بشفافية معهم؟!.
لقد شعرت بالحزن على ما وقع للصحافي سمير قصير في لبنان، وقتله بهذه الطريقة الهمجية، مما يعني أن عالمنا العربي ما زال يُضيق بالنقد البناء، ويخرس صاحب كل صوت نزيه ترتفع حباله مناديا بكشف الحقائق وتصحيح الأوضاع، وهو ما يعني أن العديد من الأنظمة العربية ما زالت تعيش بعقلية القرون الوسطى، في ممارسة السلطة المطلقة ومصادرة فكر الشعوب!.
 
بالتأكيد هناك بداية لصحوة فكرية، ونهضة جديدة، الجميع يُراقب ريحها التي تهب من لبنان، لكن هل يجب أن تدفع الشعوب أثماناً باهظة، وتسيل دماؤها في الطرقات، وتفقد رموزها المضيئة، وقياداتها الحرة، ويتزعزع أمنها، حتّـى تنال حقوقها الطبيعية في التعبير عن مطالبها بحرية، لما فيه النفع لأجيالها القادمة!.
 
كم أتمنى أن تفيق يوما مجتمعاتنا العربية، من هذا الكابوس الجاثم على صدرها ، لترى أنظمتها قد كسرت عصا التأديب، التي اعتادت أن تلوّح بها في وجه معارضيها، وأن تُشاهد بأم عينيها وقد أصبح الحوار العقلاني مشاعا على أرضها.
 
صورة رائعة أن ترتفع أصوات الشعوب مهللة بلا، ما دامت ترى مصالحها مرتبطة بها، ومشهد ممتع، أن تنطلق مسيرة الإصلاح نحو الأمام من تربتنا العربية، دون أن ننتظر الخلاص على أيدي الغرباء!.
تُـرى هل أنا حالمة أكثر من اللازم كما يُـشاع عني، أم أن تحقيق الأحلام يبدأ دوما من نقطة المستحيل!.