بطاقــــة معايــــدة

بطاقــــة معايــــدة

بطاقــــة معايــــدة

الجمعة 24/6/2005

 
يظهر أن مستنقعات القمع والفساد ومصادرة الحريات، ليست مقتصرة فقط على رقعتنا العربية. فهناك العديد من دول العالم الثالث، تُـعاني شعوبها من استبداد أنظمتها، ومن الفساد المتفشي بين قاداتها، ومن تضييق لحريات الأفراد داخل مجتمعاتها، مما يعني أن “كلنا في الهوا سوا” كما يقولون في أمثالنا الشعبية! حيثُ غدا الجميع محشورين في مركب واحد، مثقوب قعره المتهالك من كافة الزوايا، يُـبحر متخبّطا وسط المحيطات العميقة الأغوار، وأصبح الإنسان مصيره مهددا، إما بالموت غرقا، أو أن يكون وجبة دسمة للحيتان المفترسة، التي لا تفرّق بين شيخ وشاب، ولا بين عجوز وصبيّة.
 
في بورما، ما زالت زعيمة المعارضة، رئيسة الرابطة الوطنية من أجل الحرية “أونغ سان سوكي”، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، موضوعة تحت الإقامة الجبرية منذ أكثر من تسع سنوات، على الرغم من مطالبة الأمم المتحدة للحكومة في بورما، بإطلاق سراحها مع كافة السجناء السياسيين.
 
مؤخرا قامت وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية، التي تتغنّى حكومتها صباح ومساء، بتمتّع شعبها بالديمقراطية، بإرسال رسالة لزعيمة المعارضة تقول لها فيها، بمناسبة احتفالها بعيد ميلادها الستين “… نتطلع إلى اليوم الذي ستحتفلين فيه بعيد ميلادك في بورما، ديمقراطية، حرة، حيثُ تُـحترم حقوق الإنسان الأساسية… مواصلة احتجازك تـُلهم الشعوب حول العالم”.
 
معظمنا في كل عام، يُـطفئ شمعة عيد ميلاده وهو محاط بأهله ومحبيه، لحظتها يُـغمض عينيه، متمنياً في قرارة نفسه، أن يحقق الله له أحلامه المعلقة في غياهب القدر، قبل أن تنفرط سبحة العمر، ففي جعبة كل منا ترقد كتلة ضخمة من الانتكاسات الحياتية، لكن أصعبها تلك المتعلقة بمستقبل أوطاننا، ومصير أبنائنا.
 
نترقب عيد ميلادنا، ونتقبّل التهاني، ونتبادل القبلات الأسرية، ونتسابق في سرد النكات، ونطلق الضحكات الرنانة، ونبدي إعجابنا بالهدايا الثمينة التي تُـقدّم لنا، لكن أجملها في رأيي، تلك التي يُـعبّر الفرد من خلالها عن آدميته، بأن يُعلن تضامنه مع فكرك الخالص من الأغراض الشخصية، مع معتقداتك المنزهة عن أي أهداف ذاتية، أن يضمَّ صوته لصوتك حتّى يصل إلى أقاصي العالم.
البطاقة الشخصية التي أرسلتها رايس لزعيمة المعارضة، وعلى الرغم من إيمان الكثير منّا بأن أميركا تخدم في الأول والآخر مصالحها، إلا أن معانيها السامية تُـطفئ ظمأ البشر، المتعطشين إلى إرواء أرواحهم القاحلة من أنهار الحرية، وإلى تنشّق نسمات المساواة، وإلى تطبيق العدل على الأرض، التي اندثرت فيها هذه العوالم، بسبب ضياع القيم، وشراء الذمم، وإهدار كرامة الإنسان داخل أوطانه.
المال مهم لضمان المستقبل، والعلم والثقافة لهما دور كبير في صقل فكر الإنسان، وفي تطوّر الأمم، والمكانة الاجتماعية عنصر أساسي لتحديد مكانة الفرد وسط مجتمعه، لكنها تندثر في لحظة خاطفة، وتتلاشى ككثبان الرمال، حين تمر بها رياح عاتية، لأن الإنسان لو فقد كرامته، وأهدرت حقوقه، وصُودرت حريته، فقد كل مبررات السعادة الحقيقية.
 

هناك الكثير من الأبطال الذين نـزفت دماؤهم على قارعة الطريق، بسبب مواقفهم المضيئة في الحياة، والمجتمعات تنحدر نحو الهاوية إذا فقدت القدوة، لأن الفرد يستمد مثله وقيمه من قادته وزعمائه.
 
أطفئ شمعة ميلادك، لكن تذكّر أن الأمر لا ينتهي بأن تطفئ لهيبها ويعمَّ الظلام المكان، تذكّر أن كل يوم يمر محسوب عليك، فاعمل على أن تترك غرسة سامقة.