الإرهاب ليس أكلة كباب!

الإرهاب ليس أكلة كباب!

الإرهاب ليس أكلة كباب!

الجمعة 29/7/2005

 
للفنان المبدع عادل إمام، فيلم يحمل عنوان “الإرهاب والكباب”، تقوم قصته على رجل وجد نفسه فجأة متورطا ومتهما بأنه إرهابي مع مجموعة من الأفراد، داخل مجمّع حكومي، وينتهي الفيلم بتلبية مطالبهم المحصورة في إحضار أكلة كباب لهم.
 
بالتأكيد في الفيلم غمز ولمز على معاناة الناس وما يُكابدونه في معيشتهم اليومية، لكن بالتأكيد ظاهرة الإرهاب المنتشرة في العالم بأسره ليست مشروطة بأكلة كباب، وإلاّ كانت مشاكلنا مع العنف انقضت بتخصيص كافة مطاعمنا لشواء اللحم وتوزيعه على الجميع!!.
 
إنني أتعجّب من بعض صاحباتي اللواتي يصررن عند وقوع حوادث عنف مماثلة، بالقول إنها مؤامرة دنيئة لتشويه صورة الإسلام، متورّط فيها جهاز الموساد الإسرائيلي، لكي تجد إسرائيل أعذارا لما تقوم به من أفعال إجرامية بحق الشعب الفلسطيني. هذا التبرير أرفضه جملة وتفصيلا، لأنه ينفي ضمنا وجود مشكلة عويصة يجب محاصرتها!!.
 
لقد عشتُ في لندن سنوات قليلة، من قبلها كنتُ أذهب إليها كسائحة، هي مدينة تقول لك من خلال متاحفها ومعارضها ومسارحها ونشاطاتها الثقافية، إنها مدينة المدنيّة والحضارة العريقة، هذه المدينة التي تشم لحظة وصولك لمطارها نسمة الديمقراطية تفوح من كافة زواياها، من خلال الملايين من اللاجئين الذين استفادوا من دستورها الذي يكفل الحرية للجميع، من خلال الجاليات العربية التي تتمتع بكامل حقوق المواطنة، من خلال البرود الإنجليزي الذي يقول لك مارس تناقضاتك بحرية مطلقة، عبّر عن رأيك في ركن الخطابة بحديقة الهايد بارك، افعل ما تريد شرط أن لا تتعدى على حقوق الغير.
 
اليوم أشعر بالغضب الشديد على ما جرى على أرضها، وأسأل نفسي كيف يمكنني أن أعود إليها ثانية وأضع عيني في عيون جيراني الإنجليز!! كيف يمكن أن أقف متفاخرة بهويتي العربية أمام ضابط الجوازات، وأنا أمد يدي لأقدّم له جوازي العربي، الذي بالتأكيد سيضع ختمه عليه ويسمح لي بالمرور مبتسما، لأني في دولة تحترم قوانينها!! كيف يمكنني التهرّب من نظرات الاستهجان التي سيرمونني بها الناس في المقاهي، وأنا أتسكّع في شارع أكسفورد، وأنا أسير في ميدان البيكاديللي لأستنشق عبق ديمقراطيتها العريقة!!.
 
نعم أنا ثائرة، وثورتي ليست نابعة فقط من كل ما جرى وإنما من توجسي مما سيجرى في المستقبل، فنحن بالفعل في ورطة حقيقية، والأمر يستوجب أن نعلن بشجاعة ودون خجل بأن القضية متشابكة وخطيرة، وأنه أضحى في عالمنا العربي مستنقع فكري، يجب محاربته وطمسه من الوجود، بردمه عن آخره، وإلاّ سيستمر أصحابه في نشر معتقداتهم المصابة بعقدة الهوس والتطرّف، أن نقر بأن شبابنا يُغرر به من قبل جماعات اعتنقت أفكارا هدّامة، قامت بغرسها في أذهانهم ليطبّقوا معتقداتها المبنية على تبنّي سياسة القتل والتدمير، أن نصرّح بأن كل نقطة دم تُراق على أرضنا، وعلى أرض الغرباء، هي من أفدح ذنوبنا، لأننا غضضنا الطرف منذ البداية، وأنكرنا أن “العيب فينا وليس في حبايبنا” كما يقولون في الأمثال الشعبية!!.
 
إن كل يوم يمضي، يزعزع أمننا وأمن العالم من حولنا، ويقلل شيئا فشيئا من أرصدة سمعتنا كمسلمين، وكم أنا خائفة أن يأتي يوم يعزلنا فيه العالم مثل ما يعزلون الرقع الموبوءة حتّى لا تُصيب الأوبئة مجتمعاتها!! إن حرائق الغابات الكثيفة أحيانا تنتج عن شرارة صغيرة، تُرى متّى سنستوعب أهمية الشرر الصغير؟!.