الفن… جسر للعبور

الفن… جسر للعبور

الفن… جسر للعبور

الجمعة 31/3/2006

 
الفن لا يعرف جنسية، ولا يؤمن بهوية، لذا فهو يتنقل من بلد لبلد، ومن بقعة لأخرى بحرية كاملة، دون أن يستوقفه موظف جوازات، أو يُعيقه شرطي مرور، أو يفحصه رجل استخبارات!! إنه قادر على أن يدخل كل بيت، وأن يسترخي في أي مخدع!!.
 
يظل الفن من مسرح وسينما، من أعمق الفنون التي تواجدت على الأرض، فعن طريق الفن صوّر الإنسان آلامه. وعن طريقه جسّد أحزانه. وعن طريقه دافع عن قضاياه، وأبرز أهدافه، وأرسى قيمه. وعن طريقه أيضا خلّد نضاله، لذا فهو يُعتبر من الوثائق الدامغة في تاريخ الأمم الحديثة.
 
لقد شعرتُ بالغبطة وأنا أقرأ خبر فوز فيلم “الجنة الآن” للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، الحامل للجنسية الإسرائيلية، بجائزة “جولدن جلوب” عن أفضل فيلم أجنبي، وهي جائزة تعتبر من أهم جوائز السينما الأميركية.
 
الفيلم لم أرَه بعد، لكنني قرأت عرضا مفصلا عنه، فهو يحكي قصة آخر يوم في حياة شابين قررا القيام بعمل تطوعي انتحاري داخل تل أبيب، حيث تُلقي أحداث الفيلم الضوء على الدوافع التي تقود الشباب لهذه الأعمال الانتحارية.
 
من وجهة نظري، الفيلم بعث رسالة قوية للعالم الغربي، عن الواقع المرير الذي يعيشه الناس تحت وطأة الاحتلال، في ظل ظروف معيشية صعبة، واستطاع أن يُحقق ما لم تحققه آلاف التصريحات الصادرة عن المسؤولين العرب، في تحريك الضمير العالمي نحو الإبادة اليومية التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني. وتفوّق كذلك على مئات الأقلام التي تندد بالمذابح اليومية الواقعة داخل الأراضي الفلسطينية، مما يؤكد أن الفن سلاح فتّاك في القضاء على مآسي الإنسانية، وفي إمكانية تسخيره لتسليط الضوء على معاناتنا، ودعم قضايانا، التي لا تجد لها منفذا رحبا داخل البلدان الغربية، خاصة في هذا التوقيت العصيب الذي تتكالب فيه علينا الاتهامات من كل حدب وصوب!!.
 
بعض الجماعات النشطة داخل إسرائيل، هاجمت مضمون الفيلم، على اعتبار أنه يروّج لسياسة العنف، وقررت وقتها جمع توقيعات لسحب الفيلم من ترشيحات الأوسكار، في الوقت الذي يؤكد مخرجه أن مضمون فيلمه يوضّح بعقلانية حق الشعب الفلسطيني في تذوّق طعم الحرية والمساواة.
 
وأنا أقرأ خبر فوز “الجنة الآن”، حضرت في ذهني صورة المخرج العالمي مصطفى العقاد، الذي راح ضحية العنف هو وابنته، والذي قدّم لنا عدة أفلام أضاءت صفحات تاريخ العرب والمسلمين، لكننا للأسف لم نتعامل بجدية إلى اليوم مع هذه الوسيلة بالقدر الكافي، ولو استخدمناها بمهارة، واستطعنا إقناع أيدٍ ثرية بتمويلها، لاستطعنا أن نوصل آلاف الرسائل المشفرة للمجتمعات الغربية بطريقة لا لبس فيها، دون تزييف أو تملّق أو تشويه للحقائق.
 
خلق ممر آمن عن طريق الفن، سيوصلنا إلى عمق المجتمعات الغربية، التي أصبحت تفصلنا عنها هوة كبيرة، ومساحات شاسعة، من الخلافات السياسية والفكرية والحضارية، مما يستدعي السعي الحثيث وبجدية لخلق جسر التقاء متين مع الغرب.
 
لقد جربنا النواح لنثير تعاطف الغرب معنا فلم نفلح. وجربنا لغة العنف والدم فلم ننجح. وجربنا لغة المهادنة والخنوع والاستسلام فلم نفلح. فلماذا لا نجرب لغة الفن من سينما ومسرح، لنُحرّك قضايانا العالقة في الشباك سنوات طويلة، نظهر من خلالها كم نحن أمة تكالبت عليها البشرية، مع أنها في أعماقها تتطلع للحظات صفاء حقيقية بعد أن أعياها الصخب والضجيج.