نحن وحمّى التطرّف

نحن وحمّى التطرّف

نحن وحمّى التطرّف

الجمعة 21/4/2006

 
هل مجتمعاتنا العربية بحاجة اليوم إلى إعادة تربية، مع انتشار حمّى التطرّف الديني فيها؟! هل الشعوب العربية غدت تفتقد مبدأ الحوار العقلاني مع الآخر؟! لماذا أصبحت لغة العنف، الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الاحتجاج؟! لماذا صارت فتوى التكفير، وعبارات التهديد، ورفض الآخر رائجة في أروقة بلداننا؟! هل الضغوط السياسية والاقتصادية في العالم بأسره، أدّت إلى وأد روح التسامح التي كانت سمة من سمات العربي المسلم؟!.
 
هذه التساؤلات حاصرتني وأنا أتابع على شاشة التلفاز بمزيد من الأسى، أحداث العنف التي جرت في الإسكندرية مؤخرا بين أقباط ومسلمين، وتعرّض عدد من الكنائس لاعتداءات، أدت إلى سقط عدد من الضحايا بين جرحى وقتلى.
 
هذا المشهد المأساوي، جعلني أصاب بخيبة أمل كبرى في الشعب المصري، الذي ضرب في الماضي مثلا يُحتذى به في التعايش بين مسلميه وأقباطه على مدى التاريخ، ويحتفظ الطرفان بصورة مشرفة، من خلال نضالهما معا في دحر الاستعمار الإنجليزي الذي دام أكثر من سبعين عاما، واختلطت فيه دماء الضحايا من الجانبين في سبيل تحرير الوطن.اليوم أشم رائحة الفتنة الطائفية تُحلّق في سماء مصر، فاطرح سؤالا يحمل في طياته قلقا.. هل ما جرى بالأمس البعيد في لبنان، وتعرضه لحرب أهلية مسعورة استمرت ما يُقارب العقدين، من الممكن أن تتكرر مشاهده الدموية في دولة كمصر؟! أعرف الكثير من الأسر القبطية هناك، يخبرني بعض أفرادها بأن أبناءهم يخرجون مع رفقائهم المسلمين لإحياء مناسباتهم الدينية، بل إن هناك من يُشاطرونهم الإفطار في شهر رمضان.
 
ما الذي قلب الحال؟! ما الذي أدّى إلى تصدّع هذه العلاقة الحميمية؟! يبرر البعض ما جرى بأنه دسيسة، لدفع المجتمع الدولي للتدخل بحجة حماية الأقليات في مصر.
 
لو مددنا أعناقنا، لوجدنا أن العراق يعيش هو الآخر حالة من الترقّب الممزوج بالتوجّس، وتخوف الكثيرين من اندلاع حرب أهلية بين الشيعة والسُّنة، وتوجيه إصبع الاتهام إلى أميركا، بأنها من أطلق شرارة الفتنة رغبة في تقطيع العراق، وتحويله إلى دويلات هشة.
 
هل بالفعل ما يحدث مؤامرات نسجتها أيادٍ غربية، لكي يظلَّ العرب يدورون في حلقة التشقق والتصدّع، حتّى يفني بعضهم بعضاً؟! أم هي أخطاء تتحمّل تبعاتها كافة المؤسسات الدينية والتربوية والتعليمية العربية؟! أليست هي من تركت العنان للأفكار المتطرفة، لكي تنطلق في البراري حتّى سمنت وأصبح من الصعب كبح جموحها وترويضها؟!.
 
يجب أن نُعاود قراءة تاريخنا الإسلامي، نعتبر من تفاصيله، نأخذ بمسالكه التي أوصلتنا إلى القمة. لقد قامت حضارتنا على شريعة التسامح، وفكرة التعايش المشترك الذي تتنكر له مجتمعاتنا اليوم، وظلَّ أجدادنا ينظرون بتقدير واحترام لكافة الأديان والمذاهب، من منطلق (لكم دينكم ولي دين).
 
يبدو أن الكثير من مجتمعاتنا صار يلهث خلف سراب العنف، ومعظم مسلَّماتنا أصابها الخرف، وأضحى هناك انحراف في فهمنا لموروثنا الديني، مما يجعل المسؤولية كبيرة أمام علماء الدين، والمثقفين على مختلف توجهاتهم لكي يقفوا وقفة شجاعة، ويعترفوا بوجود خلل فكري، وتشويه عقائدي، يستوجب تصحيح الكثير من المفاهيم التي علقت في حبال التخلّف. مجتمعاتنا بالفعل بحاجة إلى هزة تزلزل أفكارها، تسعى بواسطتها إلى إقامة نهج جديد، يُساهم في بناء أجيال جديدة، تحمل عقولاً مستنيرة، وتبدأ مسيرتها بعيون ناصعة البياض، لا بعيون قرّح جفونها الرمد!!.