مرحلة العبث الإنساني

مرحلة العبث الإنساني

مرحلة العبث الإنساني

الجمعة 4/8/2006

 
كلمة إنسانيّة، تعني أنا وأنت وكل شعوب الأرض. معناها، من حق كل فرد أن يعيش آمناً على أرضه، لا يعتدي عليه أحد، ولا ينتزع بيته سارق، ولا يتلقّى طعنات في ظلام الليل، من الذين أقسموا له بالأمس أنهم أصدقاء العمر. إنسانيّة، مضامينها تدل على حق المرء في السير عند شواطئ بلاده، واستنشاق نسيمها العليل، دون أن تطاله قذيفة طائشة، أو تصيبه رصاصة قاتلة. إنسانية، ترمز إلى حق كل أطفال العالم، أن يعيشوا براءتهم بكل فصولها، وأن لا تُغتال أحلامهم في مهدها. فأين اختفت الإنسانية؟!.
 
لا أدري ما الذي جرى لي! أشعر بأنني أحيا حالة من انعدام الوزن! كلما أمسكت بالقلم لأعبّر عن سخطي وغضبي، لِما أراه على شاشات التلفاز من مآس ينضح لها جبين البشرية، من سفك لدماء الأبرياء، من نساء وأطفال وشيوخ، في العراق وفلسطين ولبنان، أتساءل… هل مقدّر علينا كعرب ومسلمين أن نعيش هذه المرحلة من العبث الإنساني؟!.
 
أتذكر نزهتي لروما، وقوفي أمام نافورة الأماني، حين أغمضتُ عينيَّ كالأطفال، لألقي قطعة معدنية في قاعها المكتظ بآلاف القطع المعدنية. تمنيتُ حينها أن يُحقق الله أحلامي، متسائلة بألم… لماذا لا تتحقق واحدة من أعظم أمانينا، في شيوع أمان حقيقي على أرضنا العربية؟!.
 
أتذكر كل لحظات الترفيه التي عشتها في أنحاء كثيرة من أوروبا، كيف حسدتُ شعوبها على أمنها، وشمس الحرية التي تُشرق على أرضها طوال الوقت دون أن تفكر في الغروب. أعلم بأن الأمن والاستقرار والسلام لا يُولد عشوائيا، وإنه حصيلة كفاح طويل، ومكابدة دؤوبة من المناضلين الشرفاء الذين عشقوا أوطانهم، وأخلصوا لها بجوارحهم حتّى أوصلوها إلى بر الأمان، لكنني لا شعوريّا أقارن بينها وبين ما يجري في بلداننا من انتهاكات صارخة في حق أصحابها.
أدقق بغيظ في صورة وزيرة خارجية أمريكا، وهي تقف أمام كاميرات الإعلاميين، مبتسمة ابتسامتها الصفراء الخبيثة، مُبشّرة الأمة العربية بـ”شرق أوسط جديد”، مما دفع الناس إلى النظر في وجوه بعضهم البعض، وعلى ملامحهم ترتسم ابتسامات بلهاء حول ما تطرحه هذه المرأة، ثم الاكتفاء في نهاية الأمر بالحوقلة من منطلق أنهم في حضرة أكبر قوة في العالم.
أتفحّص وجوه المسؤولين العرب وهم يبدون أسفهم على يجري يومياً في أرض العراق وفلسطين ولبنان، وتصريحاتهم المتكررة التي لا تخرج عن نبرة الخنوع، والتي أصبحت مصدر تندّر وسخرية من قبل شعوبهم، كونها تعبير جبن ونقص حيلة. وها هي المصيبة تكبر لتقع مذبحة قانا جديدة، ليؤكد العرب على أنهم حتّى في مصابهم يختلفون، وفي آلامهم يتناحرون، مما يجعلني أؤكد بأن الشعوب هي النفق الآمن الذي تستطيع أن تمر من خلاله الأجيال القادمة، إلى غد ناصع الرؤيا.
إنه قمة العبث الإنساني حين تعتقد أنظمتنا، أن الحل في يد أمريكا لإخراجنا من أزماتنا التي نعيشها، رغم أنها أول من يرشقنا بسهام الغدر عند حدوث أي مروق منّا، لكنه أضحى واجبا مفروضا، تأكيد الولاء لها، كونها الخصم والحكم.
 
أندهش من نغمة السلام التي ما زال البعض يرددها، وأنها الخيار الوحيد لنا، في زمن انقرضت فيه حمامات السلام، التي أعلنت بشجاعة على الملأ أنها تعبت من التحليق، مقررة الانتحار غير آسفة على حياتها، حتّى لم يبق سوى نعيق البوم يتردد صداه في أفضية الخراب