لعبة المقامرة… إلى أين؟!

لعبة المقامرة… إلى أين؟!

لعبة المقامرة… إلى أين؟!

الجمعة 11/8/2006

 
الوطن ليس لعبة قمار في أيدينا، نُراهن عليه للفوز بورق “الجوكر”. الوطن هو الأم والأهل والولد. الوطن هو تلك التربة الخصبة التي نغرس فيها أحلامنا في صغرنا، ونظل نسقيها ونحيطها بالرعاية والاهتمام حتّى تُورق أوراقها، فاردة ظلالها على من حولها. لذا من الصعب على الإنسان السوي، مقايضة وطنه بقضية، أو تركه في لحظة غضب تحت رحمة انتهازيين، يريدون الاصطياد في مياه عكرة، أو جعله لقمة سائغة في أيدي قاطعي الطرق. الأوطان دوماً خارج المزايدة، بعيدة عن سياج المراهنات، لا تُباع ولا تُشترى!.
 
وصلني عبر إيميلي بيان مطوّل عنوانه “احذروا حسن نصر الله وشيعته”. قرأت الفقرات واحدة تلو الأخرى وأنا في دهشة من مضمونها، مرددة بيني وبين نفسي… هل في هذا الوقت العصيب، الذي تمر فيه الأمتان العربية والإسلامية بقلاقل واضطرابات، يتطلب تأجيج التعصّب المذهبي، وإثارة النعرة الطائفية، والضرب على الوتر الديني؟! أليست المحنة التي نتعرّض لها، تستوجب أن نضع أيدينا في أيدي بعضنا البعض، ونبذ خلافاتنا العقائدية؟! أليست أسس التضامن والتكاتف والتلاحم التي سارت على نهجها الشعوب العربية والإسلامية بالأمس، هي نفسها التي ساهمت في تحرير أراضيها من الاستعمار الأجنبي؟!.
 
هناك مثل جميل كانت أمي تردده دوما “أنا وأخويا على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب”، فما الذي جرى اليوم؟! لماذا انتشر التطرّف الفكري في مجتمعاتنا، وتقلصت مساحة التسامح الديني، والتلاحم المذهبي الذي كان موجوداً في الماضي؟!.
 
مرة أخرى أعود وأكرر، إن الإعلام العربي والإسلامي، تقع على عاتقه مسؤولية كبرى، في اتساع شقة الخلاف والشقاق بين أبناء الوطن الواحد، من خلال إتاحة الفرصة لفئات متطرفة في نشر مثل هذه الأفكار الهدامة، بالظهور في البرامج الدينية، والقنوات التلفزيونية الرسمية، والفضائيات، وفي الإذاعة، والنشاطات الثقافية، مما دفع الأفراد داخل المجتمعات برجالها ونسائها وأطفالها، إلى تبني أفكارها، والإيمان بأطروحاتها كنوع من المسلمات.
 
إن سنة الكون قائمة على التباين وليس على التطابق، وكافة مجتمعات الأرض فيها تعددية مذهبية وطائفية وعقائدية. لننظر إلى أوروبا التي ذاقت الأمرين من سلطة الكنيسة في العصور الوسطى، وسالت فيها دماء الكثير من الضحايا، مما دفعها إلى الخروج من عباءتها، وإعلان العصيان عليها، ووضع دساتير تنصب بنودها على احترام آدمية الإنسان، وحقه الطبيعي في اختيار عقيدته ومذهبه بل وفي ممارسة طقوسه الدينية. فعلتها أوروبا دون أن يخالجها شك، في أن تؤدي هذه الحريات إلى زعزعة أمن مجتمعاتها، أو تشويه فكر شعوبها.
 
لبنان أثبت بالرغم من حجم الألم الذي يعانيه، والمؤامرات التي تُحاك ضده في الظلام، والضربات التي يتلقاها من كل حدب وصوب، أنه ما زال شعبا متحضرا، يؤمن بأن أمانه الحقيقي يكمن في تلاحم كافة طوائفه ومذاهبه.
إن إصرار البعض على زرع الفتنة بيننا، سيدفع بلا شك مجتمعاتنا نحو فوهة بركان، من الصعب إخماد نيرانه المندلعة في جوفه. لنعتبر من التاريخ، ولنتعظ من دروس الأمس، كون هذا الطريق الوعر لن يُخلّف إلا دمارا وخرابا كبيرين. الشعوب تتطلع اليوم لسواعد تبني لا معاول تهدم. الشعوب تبحث بلهفة عن أفكار متنورة تقتدي بها، لتخرجها من هذا النفق الضيق.
 
إنه امتحان صعب، ولكن يُقال عند الامتحان يُكرم المرء أو يُهان، والأوطان تستحق التضحية، فمتى سيستيقظ الجميع ملوحين بأعلام السلام والأمن، تحت مظلة الترابط والتلاحم.!