الفتاوى… بين الفوضى والالتزام!

الفتاوى… بين الفوضى والالتزام!

الفتاوى… بين الفوضى والالتزام!

الجمعة/ 18/8/2006

 
في ظل التطرّف الديني الذي ارتفعت موجته في مجتمعاتنا العربية مقارنة بالأمس، يبرز سؤال ملح.. متى ستسعى بجدية المؤسسة الدينية إلى وقف زحفه؟! متى ستتحرك لكي تضع حداً لظاهرة الغلو الديني المنتشرة داخل بلداننا العربية؟! المتابع للأوضاع الحاصلة اليوم، يجد أن التعصب الديني لم يعد محصوراً بعالمنا العربي بل تخطّى البحار، وتعدّى المحيطات، ووصل إلى بلدان إسلامية أخرى، ويكفي مثلاً أفغانستان، التي أرجعها حكم “طالبان” عقوداً إلى الخلف. وأذكر بأنني قرأت تقريراً عن فرقة الهييبز، الموجة التي كانت سارية في أوروبا بين الشباب في حقبة الستينيات، أن أصحابها زاروا أفغانستان في تلك الأيام، وناموا على أرصفتها دون خوف. هذه الصورة تعكس العقلية الجميلة التي كانت سائدة في الماضي، والتي للأسف تلاشت وسط الكم الهائل من الأفكار المتطرفة، التي أضحت متوغلة في عمق مجتمعاتنا العربية والإسلامية.
 
لفت انتباهي مقال للدكتور محسن العواجي، الداعية السعودي، يُطالب فيه بوجوب إيجاد مرجعية علمية عليا للفتوى في النوازل الكبرى، إضافة إلى مطالبته بإقامة محكمة عليا لضبط العلاقة بين المفتي والمستفتي، لوضع حد للعبثية الرائجة في إصدار الفتاوى بعلم وبدون علم!!.
 
أهم ما جاء في مقال العواجي، تلك الفقرة التي تُنادي بتشجيع العلماء على السفر لمعرفة أحوال العباد، إضافة إلى توعية المجتمعات العربية والإسلامية، على كيفية التمييز بين الفتوى الشرعية الواجب الالتزام بها، وبين الرأي المتغيّر حسب تبدّل الظروف، ووجوب تربية العالم على التراجع عن الفتوى إذا تبيّن خطؤها!!.
 
في فعاليات كأس العالم بمونديال ألمانيا عام 2006، ظهرت فتاوى فقهية مختلفة على الإنترنت، تُحرّم متابعة وتشجيع الفرق المشاركة، بحجة أنها تصرف الناس عن العبادة. بل وتجرأت منتديات أخرى، وطالبت بإصدار فتوى غريبة، مفادها الدعوة إلى تكفير خمسة من لاعبي المنتخب السعودي لكرة القدم، وذلك نتيجة -بحسب تأويلهم- سجودهم لزميلهم سامي جابر بعد تسجيله الهدف الثاني في مباراة فريقه مع المنتخب التونسي.
 
ظاهرة الدعاة ورواج موضة الفتاوى، انتشرت أيضاً في المجتمعات النسائية السعودية، إلى حد أن المجتمع النسائي انشطر إلى نصفين. نصفهن داعيات ونصفهن الآخر مُنقادات. هذه الفتاوى العشوائية ساهمت هي الأخرى في رفع حرارة التعصب الديني، وصارت المرأة تنظر للمرأة غير المحجبة نظرة دونية، وتتهمها على طول الخط بضعف الإيمان، وأنها تدعو إلى التحرر من تعاليم الإسلام، بل وغدا تقييم المرأة يتم من خلال التمسك بالحجاب، الذي أصبح علامة العفة، دون النظر لمعايير أخرى كسلوكها الاجتماعي، وتعاملها الإنساني..
رواج ظاهرة الغلو الديني في عمق مجتمعاتنا العربية، أدت تلقائياً إلى تقلّص مساحة الوسطية والتسامح والاعتدال، التي هي من سمات الدين الإسلامي، مما يتطلب اليوم من المؤسسات التربوية والتعليمية السعي لتحجيمها، وذلك بتوعية النشء الجديد عبر المناهج الدراسية، على عدم الانسياق خلف ظاهرة الفتاوى، والانجراف خلف كل من هبَّ ودب!!.
 
المعارك الدموية الحاصلة بالعراق، وحرب لبنان، كشفت للأسف الوجه المتعصب لعدد من رجال الدين، في التعامل مع قضايا عروبتنا، من خلال استخدام سلاح الفتاوى، في إثارة النعرة المذهبية والطائفية، لبث التفرقة بين أبناء الوطن وهو ما يُدعم اليوم رأي العلماء المتعقلين، بوجوب فصل المواقف السياسية التي تهدف إلى مصلحة الأمة، عن سلاح الفتاوى الشرعية التي تؤجج سعير التفرقة، كونها ستؤدي في حال سريانها إلى نهايات مأساوية على المستويين الاجتماعي والسياسي، في عالم بات يقف على سطح صفيح ساخن!!.