العدالة لا تنحاز لجنسية

العدالة لا تنحاز لجنسية

العدالة لا تنحاز لجنسية

الجمعة 15/9/2006

 
من حق كل متهم أن يصرخ ويتردد صوته في الفضاء طلباً للعدالة، إذا أحس بالظلم. ومن حق كل امرئ تذوّق مرارة القهر، أن يُثبت بالصوت والصورة ما لحق به من أذى. ومن حق كل فرد هُدرت كرامته، أن ينتحب كمداً على آدميته التي ذُبحت أمام ناظريه. ومن حق كل مواطن عانى من ألم فراق أحبائه، أن يضع الورود على أضرحتهم، وان يحفر كلمات نعي على قبورهم. ومن حق كل إنسان أن يفتح “ألبوم” صوره، ويقلّب صفحاته ليتذكّر الأوقات الجميلة، والمناسبات السعيدة، التي قضاها في رفقة من كانوا توائم روحه. من حق كل شعوب الأرض، أن تُحيي ذكرى مصائبها، وتستعيد وقائع أحزانها، شريطة أن تتشارك الإنسانية جمعاء فيها، دون تمييز عنصر بشري عن غيره، ودون أن تُزاح جماعة على حساب جماعة، أو يُستثنى شعب لمصلحة شعب آخر، فقوانين العدالة لا تعترف بجنسية.
 
ها هي أميركا تُحيي ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي دفع بسببها العالم العربي والإسلامي تكلفة غالية، للتكفير عن جريمة لم تكن له يد فيها، لكن كل المسلمين باتوا محاسبين في نظر أميركا، موضوعين تحت المجهر إلى أجل غير مسمّى.
صحيفة “الإندبندنت” ذكرت أن ثلث سكان نيويورك ما زالوا يشعرون باحتمال التعرّض لهجمات مماثلة، وربطت الصحيفة بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي حدثت منذ خمس سنوات، وبين الثمن الفادح الذي دفعته بريطانيا لدعمها السياسة الأميركية في العالم العربي، بتعرضها لانفجارات القطارات بلندن التي وقعت في العام الماضي.
جميل هذا الاعتراف، أن يشعر الإنسان بوخز الضمير، والأجمل ألا يرمي فواجعه على أكتاف الغير!! هذه الإشارة التي غمزت عليها الصحيفة، استنكاراً لسياسة رئيس وزراء بريطانيا “توني بلير” المؤيدة على طول الخط للرئيس الأميركي جورج بوش، تجعلنا نثق أنه ما زال في أوروبا أناس ينظرون إلينا على أننا شعوب مسالمة، لا تريد تدمير العالم لتبقى فيه لوحدها، تمرح وترقص على جثث ضحاياها!!.
 
في الأيام الماضية، أخذتُ أتابع بصمت ما بثته القنوات الفضائيات، من مشاهد مرعبة لانهيار برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، وردَّدتُ بيني وبين نفسي بأن ما حدث كان قاسياً، لكن لماذا لا يرمق المجتمع الأميركي بطرف عينه، ما فعلته أطماع ساسته في بلداننا، وأن يُدقق بوعي في بصماتهم المحفورة في تربة أرضنا، ليدرك من الجاني الحقيقي، ومن الذي أوصل العالم بأسره إلى هذا الوضع المأساوي، حتّى غدونا كأمم نتراشق التهم فيما بيننا، ونتبادل مشاعر الكره، وينعتُ كل منّا الآخر بالوحشية، تاركين خلفنا الجناة الحقيقيين، يرتعون، ويخططون لزرع المزيد من الأحقاد.
 
نعم من حق أميركا أن تُحيي ذكرى موت ثلاثة آلاف ضحية، لكن لماذا لا يُراجع شعبها معنا، أرقام قتلانا من الأطفال والنساء في لبنان، والأبرياء الذين تُحصد أرواحهم يوميّا في العراق وفلسطين، على مرأى ومسمع العالم بأسره.
تذكروا موتاكم كيفما شئتم، واعزفوا الموسيقى تعبيراً عن أوجاعكم، لكن شاطرونا مصابنا، فالحزن أممي، والظلم أزلي، والاستبداد والقهر والطغيان، هي من يخلق الضغائن، والعدل والإنصاف والمساواة، هي التي تنشر الأمن والسلام على الأرض، لكن للأسف لم تعد القضية محصورة في الحكم بميزان العدالة، كون القوي في عرف اليوم، أصبح على حق حتّى لو أجمعت كل الأدلة على جبروته. والضعيف هو الجاني، حتّى لو كان يملك كافة البراهين التي تُشير إلى نصاعة مواقفه.