لحم مزيّف للاستهلاك!

لحم مزيّف للاستهلاك!

لحم مزيّف للاستهلاك!

الجمعة 10/11/2006

 
أصبح الزعيق والعويل سمة من سمات العالم بأسره دون أن تُستثنى منه جنسيات، وسيطر هوس الرعب على كافة الأفئدة والعقول، من كل شيء وعلى أي شيء! فهل يعود هذا إلى لغة التعنّت التي غدت لها السيادة بلا منازع؟!.
 
مؤخراً استطاع مفتي أستراليا الشيخ تاج الدين الهلالي، إثارة الرأي العام هناك، بسبب مقولته المستفزة التي تضمنت خطبته التي ألقاها في صلاة الجمعة، حيثُ شبّه النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب باللحم المكشوف، مما أدّى إلى اعتقاد العديد من المؤسسات والشخصيات السياسية أن العبارة بها اتهام مبطَّن للمرأة، وأنها المسؤولة الرئيسية عن اغتصابها بتحريك غرائز الرجال من طريقة لباسها.
 
الحقيقة أن أول ما استوقفني الرد العنيف للحكومة الأسترالية، التي بدأت تضيق مثل غيرها من الحكومات الغربية بأي تعليقات عشوائية لا تُسمن ولا تُغني عن جوع، في الوقت الذي اتهمت المجتمعات العربية بضيق الصدر ورفض حرية التعبير، حين ثارت في وجه بابا الفاتيكان وتعرضه لشخصية رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومن قبلها للصور المسيئة له.
 
هذا لا يعني أنني في موقف الدفاع عن الشيخ الهلالي، فهناك ملايين من النساء المسلمات لا يرتدين الحجاب، مما يعني أنه ليس سبباً كافياً لكي تتعرض المرأة للاغتصاب! ليته يتفقَّد الصحف ليكتشف كم جريمة اغتصاب تقع يومياً داخل مجتمعاتنا العربية! وإذا كان اللحم المكشوف في رأيه مبرراً لوقوع الاغتصاب فليفسِّر لنا تعرّض سيدات متسترات في مظهرهن الخارجي للاغتصاب. بل إن مصر وهي البلد المعروف بمحافظته، تناقلت الأخبار عن وقوع اعتداءات جنسية جماعية في وسط القاهرة، خلال عطلة عيد الفطر.
 
ليت الشيخ الهلالي وغيره من الشيوخ الذين ينظرون للمرأة على أنها مخلوق يجب مواراته عن الأنظار درءاً للفتن، يوضحون لنا أسباب تنامي ظاهرة اغتصاب المحارم، التي لم تعد في طي الكتمان بعد أن صارت العديد من القصص المأساوية تُنشر على صفحات الجرائد! اغتصابات تتم على يد عم أو خال أو أخ أو أب أيضاً، فهل نلوم الفتيات،أم نصب جام غضبنا على هؤلاء الأفراد الذين لا يردعهم وازع ديني ولا أخلاقي ولا يملكون القدرة على كبح غرائزهم تجاه لحومهم المحرمة عليهم، وإلا ما الفرق بين الإنسان الذي كرَّمه الله بالعقل والإرادة وبين الأنعام التي ترتع على غير هُدى في الأرض؟!.
 
ليت الأئمة والمفتين الذين تنزلق ألسنتهم نقداً للمجتمعات الغربية، بحجة التصدّي للهجمة على الإسلام، يلتفتون إلى الداخل، فهناك قضايا كثيرة يجب أن يتناولوها لتنوير فكر مجتمعاتهم، بدلاً من أن تظل المرأة هي مسمار الخطايا الذي يُذكِّرني بقصة جحا الذي اشترط على مشتري بيته أن يبيعه كل شيء ما عدا المسمار المعلَّق على الحائط، وجميعنا يعرف نهاية القصة حين اضطر الرجل للتنازل عن بيته يعد أن صدَّع جحا رأسه من كثرة طلبه تعليق أغراضه على مسماره.
 
لقد حان الوقت لكي تعيش الجاليات الإسلامية بالخارج في سلام، هذه الأسر التي هربت يوماً من نير الظلم، ومن ضراوة الفقر، لكي تبحث عن حياة آمنة تعيشها مع أبنائها لتجد أن هناك ناراً أخرى لحقت بها في غربتها على يد بني جلدتها، التي فرَّت هي الأخرى من جحيم أوطانها، مفضلة أن ترمي غيرها في هوة الهلاك، دون أن تأبه بأحضان الغرب الذي كفكف دمعها، وواسى جراحها، وقدَّم لها باقة من الأمان لكي تنسى ما لاقته على أرضها.!