صبيانيّة الحضارات

صبيانيّة الحضارات

صبيانيّة الحضارات

الجمعة 10/2/2006

 
سألتني الخادمة الإنجليزية التي تأتي لتنظّف شقتي، وعيناها تنضحان بالدهشة والاستغراب، عن سر هذه الضجة العارمة المصاحبة لنشر الرسوم المسيئة لرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم!! أفهمتها بأننا أمة تحترم كافة الأديان، وتؤمن بالرسل الثلاثة الذين حملوا الرسالات السماوية من موسى لعيسى إلى محمد، وأن ما جرى يُعتبر إساءة فادحة في حق ديننا ونبينا·
 
لم تُفاجئني جهالة سؤالها، كون معظم الأوروبيين قد أصبحوا علمانيين، خاصة الأجيال الجديدة التي تقول لك صراحة حين تسألها لأي ديانة تنتمي!! بثقة·· لا دين· كونها تعتبر المسيحية لم تعد تتناسب مع منهج الإنسان الحديث· وهو ما يلمسه الزائر لأوروبا من خلو الكنائس من الزوار اللهم إلا فئة قليلة من كبار السن·
 
هذه الواقعة التي جرت بيني وبين المرأة الإنجليزية، طفت على سطح تفكيري وأنا أقرأ ما كتبه الصحافي روبرت فيسك بصحيفة الإندبندنت، حول ما تردده بعض وسائل الإعلام الأوروبية، بأن ما جرى في عدد من البلدان العربية والإسلامية، مؤشر على صدام الحضارات، نافيا هذا التبرير غير المنطقي من وجهة نظره، مفضلا تسمية ما وقع بصبيانيّة الحضارات، وموضحا أن الأوروبيين في الوقت الذي أصبحوا ينظرون لأنبيائهم على أنهم جزء من العهود التاريخية السحيقة، ما زال المسلمون متمسكين بعقيدتهم، بالرغم من مرور كل هذه القرون على نزول الرسالة المحمدية·
 
لستُ هنا لعرض ما جرى، لكنني بالرغم من غضبي على التطاولات التي جرحتني وجرحت عقيدة كل مسلم، أجدني أشعر بالخجل وأنا أتابع المظاهرة التي جرت أمام السفارة الدانمركية بلندن، والتي حمل فيها بعض المتظاهرين يافطات تُطالب بقتل الذين أهانوا الإسلام، والتي تخللتها شعارات أخرى تُهدد بشن هجمات انتحارية بأوروبا، وقد ارتدى فيها أحد المتظاهرين زي مُفجّر انتحاري·
 
صحيح أن المنظمات والجمعيات الإسلامية في أوروبا وأميركا نددت بالعنف الذي وقع مؤخرا على سفارة الدانمرك في كل من لبنان وسوريا، وحثت الناس على الابتعاد عن كافة أنواع العنف أو التحريض عليه، إلا أن هذا ليس كافيا!! يجب على هذه المؤسسات أن تدعو للحوار البنّاء، بإقامة ندوات، وعقد مؤتمرات، عبر وسائل الإعلام الغربية، تُلقي من خلالها الضوء على مفاهيمنا ومعتقداتنا، وتُطالب بوجوب سن تشريع دولي يُحرّم المساس بكافة الأديان·
 
للأسف لقد وقفنا أمام كاميرات العالم بصورة لا تمثل إسلامنا الحقيقي، وأثبتنا بالتصرّف الأرعن أننا أمة لا تعرف سوى لغة العنف لتُعبّر عن مطالبها!! لنتعلّم كيف نكون حضاريين، ويكفي الموقف المشرّف الذي سجلته الشعوب العربية حين قاطعت البضائع الدانمركية· نعم نحن قادرون على أن نحقق كل شيء، إذا استخدمنا الأسلحة السلمية·
 
لنفكر لحظة في الأطفال العرب والمسلمين بأوروبا وأميركا، الذين تملكتهم عقدة الخوف بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لقد أصبحوا صباحا ومساءً يلقون من يعترض طريقهم، ويصرخ في وجوههم، بأنهم يحملون بذرة الإرهاب في دواخلهم· لنضع مصيرهم نصب أعيننا، ولا نجعلهم يدفعون الثمن مرتين، مرة عندما غادر آباؤهم أوطانهم بحثا عن مأوى آمن، ولسعتهم نيران الغربة، والأخرى عندما صاروا يعيشون منبوذين في مجتمعات تنظر نحوهم بتوجّس وريبة!! إنه ليس صدام حضارات، إنها قلة إدراك، ونقصان وعي، في إيصال رسائلنا للغرب، حتّى أصبح جمهور المتفرجين يجلس على المدرجات، يُراقب حلبة الصراع، ويصفق بحماس على قانون اللعبة، دون أن يأبه بالدماء التي تُراق على الأرض!!.