نضال الشعوب لا يُقاس بالزمن

نضال الشعوب لا يُقاس بالزمن

نضال الشعوب لا يُقاس بالزمن

الجمعة 22/12/2006

 
الندوة الدولية لنصرة النساء الفلسطينيات التي انعقدت في الجزائر بمقر المجلس الشعبي الوطني من 9 إلى 11 سبتمبر 2006، كانت تضم مئات النقابات والمنظمات العربية والدولية من مختلف بقاع العالم. اكتشفتُ أن الجميع أتوا إلى هنا، ليعبروا عن احتجاجهم على ما يتعرّض له فلسطينو الداخل من إبادة عرقية، وليعلنوا تضامنهم مع العمّال والعاملات الفلسطينيات من عرب 48 الذين يتعرضون للتمييز العنصري بكافة أشكاله، والذين تمَّ تجاهل قضيتهم بحجة أنهم يعتبرون ضمن نسيج المجتمع الإسرائيلي.
 
قلتُ في مداخلتي إنني مدينة أنا وبنات جيلي للمرأة الفلسطينية، ففي تلك الحقبة من الزمن في السعودية، كانت المعلمة الفلسطينية بجانب المصرية، والسورية، من تلقّينا تعليمنا على أيديهن في المدارس. متابعة بأن الشعب الفلسطيني قد ناضل طويلاً، وعانى عقوداً من نير الاحتلال، لكن ستين عاماً لا تُذكر في حياة الشعوب، وأنها ليست نهاية المطاف، ضاربة المثل بجنوب أفريقيا التي عانت الأمرَّين من التمييز العنصري، ومن نهب لثروات أصحابها الأصليين، لكنها نجحت في نهاية الأمر في الحصول على استقلالها بعد مرور أكثر من قرن، وها هي اليوم ترفل في ثياب الحرية. ثم ذكرت واقعة جرت لي في لندن، التي كنت متواجدة فيها أثناء وقوع مجزرة جنين، حيثُ أصرّت ابنتي وقتها أن تخرج مع صديقتها الفلسطينية وهي تلف الوشاح الفلسطيني على رقبتها، كتعبير عن تكاتفها. كان سوء حظي قد جعل مقر سكني واقعاً أمام مركز يهودي من المراكز اليهودية المنتشرة في أنحاء بريطانيا، وقد طلبتُ من ابنتي حينها أن تخلع الوشاح الفلسطيني، حين تمر من أمام المركز تحاشياً لوقوع أي ضرر مفاجئ لها، لكن ابنتي رفضت طلبي، قائلة لي بغضب: لن أسير على الرصيف المقابل للمركز، بل سأسير على الرصيف الملاصق له لأرى ما سيكون منهم. وخرجت من أمامي، مصفقة الباب خلفها، دون أن تنتظر إجابة مني. شعرتُ بالفخر من ردة فعلها، حيثُ كانت بالتأكيد أكثر شجاعة مني، لتصديها عن قناعة ثابتة بحقها في التعبير عن سخطها، لما قام به الجيش الإسرائيلي من انتهاكات وحشية في حق هذا الشعب، ومن جهة أخرى أوصلت لي رسالة مهمة، ربما كانت غائبة عن فكري، في أن الأجيال الجديدة ليست بعيدة عن قضايا عروبتها، وأنها ملتصقة بكل ما يدور في محيط عالمها العربي، وان المقولة الرائجة بأن جيل اليوم تنصبُّ اهتماماته على ما تفرزه القنوات الفضائية من برامج غثة، وأنه غير مُبالٍ لما يجري من حوله، معطياً ظهره لما يقع في العالم، هو اعتقاد خاطئ، ونظرة متجنيَّة تجاهه.
 
إن الأمومة لا تتجزأ، ولا تعترف بجنسية، وليست مقتصرة على شعب دون آخر. لقد جزعت على ابنتي من تصرّف بسيط منها، متناسية بأن هناك ملايين من النسوة الفلسطينيات يُقدّمن أبناءهن كل يوم كشهداء من أجل الأرض. ولو سُئلت.. لمن تُخصصين يوم المرأة العالمي؟! لأجبت بلا تردد: أخصصه تكريما للمرأة الفلسطينية في كل عام. هذه المرأة التي صقل الاحتلال روحها، وجعلها أكثر صلابة في مواجهة واقعها المؤلم، وتكفي نظرة واحدة للأمهات الفلسطينيات الثكالى، المفجوعات على موت أبنائهن، واللواتي يقفن أمام شاشات التلفاز ويصرخن بملء حناجرهن: إذا قتلوا لنا ابناً سنقدِّم كل أبنائنا فداء لوطننا. ألا تستحق هذه المرأة أرفع أوسمة الشجاعة؟! وما زالت للحديثُ بقية.