الارتقاء بلغتنا الجميلة

الارتقاء بلغتنا الجميلة

الارتقاء بلغتنا الجميلة

الأحد 17/6/2007

 
هل هناك شيء من الحقيقة، حول ما يتردد بأن لغتنا العربية مهددة بالانقراض؟! هل بالفعل هناك مؤامرات ودسائس يُحيكها الغرب في الخفاء، للقضاء على لغتنا الأم؟! هل الأجيال الصاعدة باتت عازفة عن لغتها العربية، مهووسة باللغات الأوروبية؟! هل اللائمة تقع على الأسر العربية، التي تحرص على أن يتعلّم أبناؤها اللغات الأجنبية، على حساب لغتهم الأم، مما أدّى إلى تهميش دورها الفعلي؟! هل للإعلام دور في انحسار أهمية اللغة العربية، بسبب طغيان اللهجات العامية في البرامج على اختلافها، بالقنوات الرسمية، والفضائيات، وحتّى في البث الإذاعي؟! هل الصيحات التي ترتفع هنا وهناك، محذرة من احتمالات اندثار اللغة العربية مستقبلاً، فيها شيء من الصواب، أم أنها صيحات مبالغ فيها؟! هل الحيطة والحذر واجبان، كون اللغة العربية تُمثل هوية الفرد العربي من جهة، وارتباطها الوثيق بتاريخ حضارته الإسلامية من جهة أخرى؟!.
في رأيي، أزمة لغتنا العربية لا تكمن في أنها معرضة للاندثار مثل الكثير من اللغات التي لم يعد لها أثر اليوم، وإنما تكمن مشكلتها في أنها تعيش أزمة مع نفسها، مثل طبيعة مجتمعاتنا العربية، التي يجهل جلُّ أفرادها كيف يتعاملون مع مستجدات العصر. مجتمعات ما زالت “مكانك سرْ”، تُقدّم رِجلاً وتُؤخر أخرى في كل ما يحيط بها، كأن النهل من حضارات الأمم، سيحولها إلى أداة مسخ لغيرها، وهو ما جعل الناطقين باللغة العربية يتمسكون بمفردات عقيمة، بالية، لم تعد متداولة على ألسنة العامة، بل وتفاقم الأمر بمحاربة اللغويين المتنورين، الذين طالبوا بالارتقاء ببعض الكلمات العامية، ورفعها إلى مصاف الكلمات العربية الفصحى، حتّى تنجذب نحوها الأجيال الصاعدة، بل ووصل الأمر إلى اتهامهم بأنهم يتنكرون للغتهم الأم، بل واتهامهم بالعمالة للإمبريالية والصهيونية!.
 
في الوقت الذي نجد فيه أن البريطانيين أنفسهم، على الرغم من شيوع لغتهم الإنجليزية في العالم بأسره، قاموا بهجر لغة شكسبير القديمة، ولم تعد الأجيال الشابة الإنجليزية تفهم لغته المعقدة، وأصبحت مقتصرة مفرداتها على طلاّب الكليات والمعاهد الأدبية.
عميد الأدب العربي طه حسين، وهو الرجل الذي كان يهيم حباً باللغة العربية، طالب بإضافة ألفاظ عامية متداولة بين الناس، وإدراجها في القاموس اللغوي العربي. وكان الأديب النوبلي “نجيب محفوظ” من الذين طالبوا بتطبيق هذا المنحى، وكان يستخدم في حواراته كلمات عامية كثيرة، على ألسنة شخوص رواياته.
منذ فترة وجيزة، قرأتُ مقالاً لأحد الكتّاب السعوديين، يشن هجوماً لاذعاً على عضو في مجلس الشورى السعودي، كونه طالب بتدريس اللغة الإنجليزية بداية من المرحلة الابتدائية، وأخذ الرجل يُعدد الأهوال الجسيمة التي ستقع على المجتمع في حال تمت الموافقة على هذا الاقتراح، ضارباً المثل بكوريا والصين التي لا يعبأ أهلها باللغة الإنجليزية، ومع هذا أصبحوا في مصاف الدول الصناعية الكبرى والمهمة في العالم.
 
عذر أقبح من ذنب! بل وفيه كذب وافتراء! فالكليات والمعاهد والجامعات البريطانية والأميركية والكندية، تعجُّ بآلاف من الطلبة القادمين من الصين واليابان والكوريتين، لتعلّم اللغة الإنجليزية، لإيمانهم بأنها أصبحت الطريق الصحيح لتلقّي طرق المعرفة المختلفة.
لستُ من الذين يحملون ألوية التشاؤم، ويدورون بها في الطرقات، كأن إدخال اللغة الإنجليزية ضمن المناهج الدراسية، سيؤدي إلى خراب مالطة! فلغتنا العربية مرتبطة بلغة القرآن الذي يعتنق ديانته أكثر من مليار ونصف مليار إنسان. كما أن إيصاد الأبواب أمام اللغات الأخرى بحجة الحفاظ على لغتنا العربية من الاندثار، فحجة واهية، لأن سلاح المعرفة هو قوة فعلية في يد الفرد العربي، تجعله قادراً على فهم مجريات العالم من حوله، وقد حثنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من أربعة عشر قرناً على أن نطلب العلم ولو في الصين، والعلم يستلزم فك الحرف، وفهم لغات الشعوب الأخرى.
الحياة أصبحت معقدة بما يكفي، وهو ما يستلزم من اللغويين أن يضخوا دماء شبابيّة في لغتنا العربية. كفانا انغلاقاً، وتشبثاً بمخلفات الماضي .