الحب المقيَّد بالسلاسل!!

الحب المقيَّد بالسلاسل!!

الحب المقيَّد بالسلاسل!!

الأحد 24/6/2007

 
هل الحب الذي عجز الفلاسفة والمفكرون والشعراء عن وضع معنى محدد له على مراحل العصور، ما زال حياً يرزق في عالم اليوم، الذي غدت تُسيطر عليه الماديات؟! هل ما زال الحب يُشكّل أهمية حقيقية في حياة البشر، وسط هذا الكم من الضغوط الحياتية؟! هل ما زال وهج الحب، هو الذي يُشعر الإنسان بقيمته في الحياة؟! هل المرء يعيش ليدور في طاحونة تطلعاته، ويلهث خلف طموحاته، أم أنه يعيش ليتمتع بدفء الحب، ويحس ببهجة الحياة؟! هل بداخل كل واحد منّا تربض غرسة صغيرة اسمها الحب، قد تجد طريقها لتصبح يانعة بظلال وارفة داخل قلوبنا، أو تكون سيئة الحظ فتذوى وتموت في مهدها؟!.
بلاشك أن مفهوم الحب يختلف من شخص إلى آخر. هناك من يرى أن الحب ما هو إلا تلك اللحظات الوقتية التي يقتطفها من بين مشاغله، ثم ينفض يديه، ويغمس فكره في زحام مسؤولياته. وهناك من يرى أن الحب مثل الشعاع الدفيء الذي يُضيء دربه، ويُؤنس وحدته، يسمع وقع أقدامه وهو نائم في مخدعه، ويحس بأنفاسه تحيط بروحه طوال الوقت. وهناك من يرى أن الحب من صنيعة الشعراء، ومن مخلَّفات الماضي، لم يعد له وجود إلا في الأفلام الخيالية، والروايات الرومانسية، وحكايات ألف ليلة وليلة، وأن الحب الحقيقي، الذي عرفه الأجداد ذاب مع وجبات “التيك أواي” التي حوّلت الإنسان إلى أداة استهلاكية، ولم يعد يجد الوقت للتنقيب عن خلجات نفسه، وهذا يتنافى مع مقولة الشاعر غوته “عندما يقع المرء في الحب يتمنَّى أن تُقيده السلاسل”.
قرأتُ نتائج بحث قامت به إحدى المؤسسات، حيثُ توجهت بسؤال حول تعريف معنى الحب إلى مجموعة من الأطفال، وقد لفت انتباهي أن معظم تعريفاتهم البسيطة في مجملها ربطت مفهوم الحب بالعطاء، وإنكار الذات. قالت طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات، بأن الحب هو عندما تضع المرأة عطراً على جسدها، ويضع الرجل عطراً بعد الحلاقة، ويخرجان سوية ليشم أحدهما الآخر. وقالت فتاة تبلغ من العمر سبع سنوات بأن الحب هو عندما ترى أمي أبي غارقاً في عرقه ورائحته وتقول له بأنه أكثر وسامة من “روبرتروفورد”. وطفلة ثالثة تبلغ ثماني سنوات قالت إن جدتي عندما أصيبت بالتهاب المفاصل، لم تكن تستطيع أن تنحني لتضع الطلاء على أظافر قدميها، فكان جدي يقوم لها بذلك كل مرة لعدة سنوات، حتّى بعد أن أصيب هو الآخر بالتهاب المفاصل في يديه، لم يتوقف عن القيام بذلك لها.
أذهلتني إجابات الأطفال، وأيقنت بأن الحب الذي يكتشفه الأطفال بأم أعينهم مع أسرهم، هو الذي يعلمهم الحب بمعانيه الحقيقية المجردة، لذا غدا الكثير من الناس يستهينون بالحب لأنهم لم يعودوا يشمُّون رائحته النفَّاذة تفوح داخل حجرات بيوتهم، وصاروا يفتقدونه في عيون آبائهم وأمهاتهم، بعد أن سلب رتْم الحياة السريع بتعقيداتها جذوة الحب من دواخلهم، وأورثت بالتالي الأبناء والأحفاد الجهل بقيمة الحب، والاستهتار بمعانيه الجميلة.
 
كيف يحب المرء؟! مهمة شاقة وبسيطة، لأن آلافاً مؤلفة من البشر يرغبون في ملامسة الحب لكنهم لا يعرفون كيف يحبون، أو بمعنى أصح لا يفقهون كيف يعبرون عن مشاعر الحب بداخلهم تجاه شخص ما، وبالتالي يفقدون أحباء قد لا يُصادفونهم مرة أخرى في محطات عمرهم.
للأديب ويليام شكسبير عبارة جميلة عن الحب: “…ساعاتنا في الحب لها أجنحة، ولها في الفراق مخالب”. لكن في دنيا اليوم لم تعد للحب أجنحة ولا مخالب أيضاً، بل أصبح الحب مثل الأسد ملك الغابة، الذي تهابه كافة الحيوانات، لكن ما أن يتم اصطياده واستخدامه في ألعاب السيرك، حتّى يتحول إلى قط أليف لا يخافه حتّى الفأر الباحث عن لقمة ملقاة هنا أو هناك ليسد بها جوعه!!.