الوطن القاتل بمرتبة الشرف!!

الوطن القاتل بمرتبة الشرف!!

الوطن القاتل بمرتبة الشرف!!

الأحد 15/7/2007

 
هل أصبحت الأوطان عبئاً على أبنائها بعد أن كانت الحضن الدافئ؟! لماذا لم تعد الأوطان الملاذ الآمن لشعوبها؟! هل يرجع السبب إلى انعدام الأمن، وارتفاع نزعة الطائفية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتفشّي الفساد بأنواعه فيها؟! أم أن السبب الرئيسي يعود إلى انعدام الديمقراطية، وسيطرة الدولة البوليسية على مقدرات الناس، وحصر مهامها في قمع الحريات، ومصادرة الأفكار ؟!.
لفت انتباهي خبر صغير نشرته مؤخراً وسائل الإعلام، عن مطالبة اللجنة العربية المتخصصة بالجرائم في بيان لها، بمنع تسلل الهجرة غير الشرعية عبر حدودها، إضافة إلى وجوب توعية الناس بالتهديدات والمخاطر الناجمة عنها.
جميل أن تُحافظ الأوطان على أرواح مواطنيها، وتحميهم من النتائج المؤدية لإنزلاقاتهم خلف أحلامهم، وتنبههم من الانجراف وراء طموحاتهم الذاتية، لكن ما البديل الذي قدمته الحكومات لأبنائها، عن الأمان الذي بات شبه مستحيل على أراضيهم، وعن مسلسل القتل اليومي الذي يحصد المئات يومياً جرّاء تفاقم النزعات الطائفية، ورواج ظاهرة فتاوى التكفير العشوائية؟! عن عمليات النهب التي يقوم بها مسؤولون كبار، دون أن يتعرضوا للمساءلة القانونية، أو يشعروا بتأنيب الضمير على ما يقترفونه من إثم تجاه أبناء جلدتهم، تاركين لهم الفتات ليقتاتوا منه؟!
وحدّث ولا حرج عن الشباب الذين يكبرون خلف مقاعد الدراسة معتقدين بأن التحصيل العلمي والمثابرة والاجتهاد، هي المفاتيح السحرية لفتح كل الأبواب المغلقة. ينامون وهم يحلمون بمستقبل جميل، وأن نهاية هذا التعب بالتأكيد بستان عامر بالأزهار اليانعة. يتفاجأون بأن ما تعلموه في مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم يختلف اختلافاً جذريّاً عمُا سيتجرعونه في حياتهم العملية. يصطدمون وهم يضعون ملفاتهم تحت أذرعهم التي تحتوي على سيرهم العطرة بأن المثل القائل لكل مجتهد نصيب، لا تُوجد في قاموس الحياة العملية، وأن التقدير كله لمن يحمل كارت الواسطة، أو من له ظهر قوي تماشياً مع المقولة المصرية الرائجة “يابخت من كان النقيب خاله!!” مما جعل الشباب يذرف الدمع بحرقة على السنوات التي ذهبت هدراً في قاعات الدراسة!! يجلسون أمام التلفاز ليسمعوا بفرح إلى الوعود المعسولة التي تنطلق يوميُاً من أفواه مسؤوليهم ونوابهم، بفتح مجالات عمل جديدة لهم، وبحلول جذرية لمشكلة البطالة، لكن سعادتهم سرعان ما تتبخر حين يلمسون بالصوت والصورة بأنه كلام منمّق لا يُقدّم ولا يُؤخّر، وأنها حيلة دنيئة من حيل السياسي المحنّك يستخدمها طوال الوقت لذر الرماد في العيون، وأن ما يُردده السياسيون ما هو إلا جزء من عمليات البهرجة لإلهاء الشباب عن ثورة الامتعاض التي تفور في دواخلهم.
نعم إن توعية الناس وعلى الأخص الشباب، من مخاطر الهجرة غير الشرعية، وحماية المهاجرين من القراصنة الذين استباحوا أحلام الناس باستغلالهم أشنع استغلال، واجب وطني، خاصة مع ازدياد حوادث الغرق المأساوية التي يروح فيها يوميّا ضحايا بالمئات. أناس خرج بعضهم من أوطانهم هرباً من جحيم الدمار والقتل الذي حلَّ بأوطانهم، ومنهم من فرَّوا من نير الاستبداد والظلم الذي عمَّ بلادهم، ومنهم من دفعتهم أحلامهم إلى كره أوطانهم بعد أن ضنّت عليهم بالقليل فآثروا الهجرة تطلعاً إلى حياة كريمة ومستقبل مشرق لهم ولأسرهم، ليموتوا في نهاية الأمر على شواطئ غريبة، ويعودوا إلى ديارهم جثثاً متعفنة ملفوفة في أكفانها داخل توابيت رخيصة الصنع!.
 
إصدار قرارات فارغة أجوافها مثل أبواق الحروب التي تُفزع النائمين، ليس حلاً ، فإصدار البيانات مجرد مسكن وقتي لن يُوقف مسلسل الهجرة. الحل يكمن في أن تسأل الحكومات المتعاقبة نفسها… لماذا تعاف الناس أوطانها؟! لماذا يُعطي الإنسان ظهره لأرضه التي ولد وترعرع في ربوعها، وهي المكان الذي يحمل هويته، وفيها الأهل والأحباب والأصدقاء؟! أليس العيش في أمان داخل الأوطان، مطلباً إنسانياً؟! أليس التطلّع لحياة كريمة أمراً طبيعياً؟! أليس الوطن مثل الأم الرءوفة بأبنائها، إذا قست وتحجّر قلبها وضنّت عليهم بكل شيء، سيضيع الأبناء وتتشرّد الأسرة؟ تُرى، لمن أرمي جعبة أسئلتي الحائرة؟.!