عقول في ذمة المجهول!!

عقول في ذمة المجهول!!

عقول في ذمة المجهول!!

الأحد 7/10/2007

 
أجمل الأوطان تلك التي شمسها ساطعة، وشواطئها جميلة، ورمالها نقية، لذا من الصعب أن يتركها أبناؤها أو يتخلوا عنها أو يُقايضوها بغيرها مهما كان حجم المغريات المقدمة لهم. لكن الأوطان التي تُصبح لحظات الغروب سمة من سماتها، وفضاءاتها معبأة بالغيوم القاتمة، ودروبها وعرة شائكة، وأزقتها غير آمنة، من السهل على أولادها الذين شبّوا في مخادعها أن يبحروا بسفنهم بعيداً عن موانئها، من دون أن يحسوا بوخزات تأنيب من ضمائرهم، أو يفكروا في إلقاء نظرات حسرة أو ندم عليها!.
 
فراق الأوطان مثل فراق الأحباء، كلاهما وقعهما على النفس قاس ومؤلم، لكن كم من عقول تحاملت على نفسها، وحزمت أغراضها، ورحلت بعيداً عن أرضها، حين شعرت بأن أياديها مقيدة، وأقدامها مغروسة في رمال متحركة تسحبها نحو قاع المجهول بلا أدنى شفقة! وأن طموحاتها تقف عاجزة أمام قوائم طويلة من العوائق الاجتماعية والدينية والسياسية في بلدانها!.
 
جميعنا يشعر بالفخر حين يتناهى لسمعه النجاحات الهائلة التي تحصدها العقول العربية في الخارج، مثل طبيب القلب الشهير “مجدي يعقوب” الذي أنقذ حياة آلاف من الأطفال في العالم. والدكتور “أحمد زويل” الذي نال جائزة نوبل في الفيزياء، وعلى شاكلتهما الكثير. لكن بين الحين والآخر تخطر تساؤلات في ذهني: لماذا تُهاجر العقول العربية إلى الخارج؟! لماذا لا تقبع في أوطانها، وتستثمر طاقاتها فيها؟! تُرى لو بقي هؤلاء العلماء العباقرة في بلدانهم، هل سيصلون إلى المكانة العالية التي بلغوها في الخارج، ويحققون كل هذه الاختراعات العلمية المهمة التي أفادت البشرية جمعاء؟! هل العيب في بلداننا العربية التي أهملت أبناءها وتركتهم لقمة سائغة في فم الغرب، أم الخطأ على علمائنا الذين أفسحوا المجال للغرباء لاستغلالهم وسرقة إنجازاتهم؟!.
 
لنكن صرحاء، ونقر بأن الغرب يفتح ذراعيه على آخرهما لكل عقل عربي فذ يأتي إليه، ولا يضنُّ عليه بشيء، بل يضع تحت إمرته معامله المتطورة، ويُقدّم له كل ما يحتاجه في تجاربه وأبحاثه العلمية، ويُتيح له المناخ الملائم لينجز ويُبدع، بل ويمنحه البلد المضيف جنسيته، كونه يُدرك بأن التقدّم التكنولوجي والانجازات العلمية الباهرة هي التي تصنع حضارات الأمم، وأن سلاح العلم هو القوة الخارقة التي ينحني العالم أمامها، ويرفع قبعته تحية لها، وتقديراً لأفضالها.
 
في أغلبية بلداننا العربية يحدث العكس، حيث تُنفق الحكومات أموالا ضخمة على التسلّح بغرض حماية أراضيها من الطامعين، وتُولي أظهرها لعقول أبنائها، ولا تهتم بتخصيص ميزانيات ضخمة لدعم الأبحاث التي يُقدمها العلماء، أو تُساهم في تطوير أجهزة معاملها، حتّى صار معظمها مهجورا تعلوه الأتربة! إن الحماية الحقيقية للأوطان تكمن في بناء العقول ورعاية العلم والعلماء، وتقديم كافة التسهيلات المادية لهذه العقول الفذة. إضافة إلى وجوب استقلالية المراكز العلمية التي ما زالت للأسف تخضع للمعايير الاجتماعية، والمحاذير الدينية، وهو ما يدفع العلماء إلى العمل ضمن دائرة ضيقة تقليدية.
 
عندما احتلّت أميركا العراق، كان أول من استهدفته العلماء العراقيين الذين يُعتبرون بشهادة الكثيرين من أكفأ العقول على مستوى العالم. ويكفي أننا وضعنا إذنا من طين وإذنا من عجين على مسلسل القتل الذي أودى بحياة خيرة العلماء العراقيين، من دون أن ترفع الحكومات العربية رسالة احتجاج واحدة لهيئة الأمم المتحدة على إهدار دم هذه الثروة القومية.
 
إن الحل بسيط. لا يستلزم “فرمانات” مستحيلة! بل في توفير المناخ الصحي لكي تُقدّم هذه العقول ما فيه الخير لمجتمعها. ليس هناك أذكى ولا أنبه من مجتمعات تعرف متى ومن أين تؤكل الكتف. فهل مُقدّر علينا أن نظل شعوبا استهلاكيّة لا تعرف معنى كلمة مُنتجة؟! لماذا لا نُعيد قراءة تاريخ حضارتنا الإسلامية المضيء بتمعّن، لنتذكّر أن الغرب اليوم يُدين بإنجازاته العظيمة لأجدادنا العباقرة؟!.