ثقافتنا العربية وغول العولمة!!

ثقافتنا العربية وغول العولمة!!

ثقافتنا العربية وغول العولمة!!

الأحد 28/10/2006

 
جميل أن يتنبه المسؤلون في بلداننا العربية لخطورة ضياع الهوية العربية. والأجمل أن يولوا اهتماماً كبيراً بترسيخ ثقافتنا بين الأجيال الصاعدة، مع هجمة العولمة التي أصبحت مسيطرة على كافة أمور حياتنا بدءاً من الوجبات السريعة التي زادت أطفالنا سمنة، وانتهاء بثورة التكنولوجيا.
 
لا شك أن العولمة موضوع مهم وشائك وبالغ التعقيد. وقد حرص المنتدى السنوي الثاني لصحيفة “الاتحاد” الذي تمَّ برعاية سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي،على أن يكون هذا العام منحصراً حول كيفية الحفاظ على ثقافتنا العربية من تأثيرات العولمة!.
 
أتذكّر أنه لفت نظري مؤخراً خبر تناقلته وكالات الأنباء، عن مطالبة عدد من البريطانيين التربويين بوجوب الحد من البرامج والمسلسلات الأميركية المخصصة للأطفال حفاظاً على هوية الطفل البريطاني من الهجمة الأميركية، مطلقين صفّاراتٍ تحذيريةً حول تأثير هذه الأفكار الدخيلة على ثقافة الأجيال القادمة من البريطانيين.
 
أدهشني هذا الخبر لكوني أدرك مدى صلابة الثقافة البريطانية، ومتانة التعليم لديهم، وتساءلت: ماذا عن مجتمعاتنا العربية، التي يُنادي بعض مثقفيها بوجوب تشريع النوافذ عن آخرها دون قيد أو شرط! علماً بأن أغلبية بلداننا العربية ما زالت تُعاني من التعليم التقليدي القائم على التلقين، وتفتقر إلى مناخ صحي من الحريات، وتزخر بعقد اجتماعية لا حصر لها، مما يحول بينها وبين قدرتها على الذود عن ثقافتها العربية التي غدت تشهد تصدعاً كبيراً؟!.
 
لا شك أن الماديات التي سيطرت على كافة مجتمعات الأرض والتي جاءت مصاحبة للعولمة، حوّلت الإنسان إلى طاحونة رحى مُهترئة لا تكل عن الدوران صباحاً ومساءً، مما يؤكد المقولة الرائجة بأن العولمة هتكت عِرض الإنسانية، وقللت من قيمة البشرية!.
 
هذا لا يعني أن العولمة من رأسها إلى أخمص قدميها سيئة تجب محاربتها والقضاء عليها. فالعولمة لها مزايا كثيرة، والجاحد وحده من يُنكر إنجازاتها، ويكفي أنها أذابت الحواجز، وفتحت آفاقاً واسعة للمعرفة أمام البشرية جمعاء.
 
الأهم من هذا وذاك أن العولمة جعلت المجتمعات العربية أكثر وعياً حول ما يجري في أروقة مجتمعاتها الخلفية، من خلال إعلام عالمي حر. ومن خلال فضائيات تنقل يوميّاً للمشاهد العربي ما يقع في أقاصي الأرض وأدناها. وهو ما كان معدوماً من عقود قليلة مضت، حيثُ كان المواطن العربي وقتها يجهل كل شيء، ولا يعرف إلا ما يبثه إعلامه الرسمي المليء بالأغلاط والأكاذيب! منطبقاً عليه المثل القائل: “ياغافل لك الله”!.
 
هل نحنُ مؤهلون للالتحاق بقطار العولمة، وتقبّل حسناتها وسيئاتها بطيب خاطر؟! من وجهة نظري حماية هويتنا يجب أن تمر من بوابة تاريخنا العربي الذي ما زالت مجتمعاتنا تنظر إليه بقدسية، وتقف بالمرصاد أمام كل من تسوّل له نفسه التشكيك في واقعة أو حدث، أو تُحاول التقليل من شأن خليفة أو حاكم! بمعنى أدق المجتمعات العربية تنظر لتاريخها كما تنظر لقبورها الممنوع على أحد النبش في تربتها والاعتداء على حرمتها، وهو ما جعلها جامدة فكريّاً، عازفة عن تقبّل الآخر، تُعبّر عن غضبها بالعنف وحده! مما يستلزم خض روح التجديد في صفحاته من ألفه إلى يائه.
 
هناك مثقفون كثيرون راحوا ضحايا عشقهم لثقافتهم العربية، وذهبوا “وراء الشمس” بقدرة قادر عقاباً لهم على مواقفهم العروبيّة. وهناك من اتهموا بالخيانة لمجرد أنهم طالبوا بإزالة العوائق التي تحول بين المجتمعات العربية وبين إيجاد مقعد لها في قطار العولمة.
 
كما أن هناك بعضاً من المثقفين للأسف يتعمدون العيش في أبراج عالية، معتقدين أن هذا الموقف الاحتجاجي الصامت سيلفت الأنظار نحوهم، غافلين عن أن المجتمعات العربية بطبعها كثيرة النسيان، ولا تعبأ كثيراً بمن يخرج من أرض المعركة سواء كان ظافراً أم خاسراً! وأنها بطبيعتها العدوانية تهوى الأدمغة التي تظل طوال الوقت في ساحة الرحى رافعة أسنة أقلامها حتّى لو سقطت في النهاية مضرجة بدمائها!.
 
إن من يقرأ كتب التاريخ، والمناهج الدينية في البلدان العربية، يجدها جميعها مسيّسة خاضعة لتوجه أنظمتها. وسيلفي كل واحدة قد كُتبت بطريقة مُغايرة عن الأخرى، مما جعل الفرد العربي يقع في إشكالية كبيرة متشككاً في كافة مصادره التاريخية، محتاراً في أيٍ منها يضع ثقته!.
 
إنني أشد على يد المفكر العربي الدكتور الجابري الذي نادى بوجوب إنشاء مرجعية ثقافية وتربوية عربية موحدة وعامة، حتّى تؤمن الأجيال القادمة بتاريخها، وتثق بثقافتها، وتحمي مستقبلها الفكري. فهل هذا المطلب من المستحيلات؟!.