أين اختفت آثارنا الإسلامية؟!

أين اختفت آثارنا الإسلامية؟!

أين اختفت آثارنا الإسلامية؟!

الأحد 11/11/2007

 
ونحن صغار تعوّد أبي أن يأخذنا أنا وإخوتي كل عام إلى المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم في توقيت انحسار فصل الصيف الذي يكون في العادة ملتهباً. وكان يحرص على اصطحابنا لزيارة العديد من المعالم الإسلامية المتواجدة فيها. من أهمها كانت مقبرة البقيع المدفون فيها عدد من الصحابة والأئمة الذين كانوا سنداً وعضداً للرسول في نشر دعوته.
 
كنتُ في كل مرة يُحركني الفضول لسؤال أبي عن قصة كل قبر. فكان يترك مهمة إرواء نهم فضولي لقريبه الذي كان يُقيم في المدينة، حيثُ تعوّد أن يستضيفنا في بستانه المتواجد عند أطراف المدينة المشتهرة ببساتينها وآبارها الجوفية. وكنّا نمضي يوماً كاملاً في ربوع بستانه متحملاً بصدر رحب الإجابة على كافة أسئلتي بحديثه العذب الذي لا يُمل.
 
عادت هذه الذكريات إلى سطح تفكيري وأنا اقرأ مقال للكاتب السعودي “بشير البحراني” تحت عنوان “جنة البقيع في ذمة النسيان” يُبيّن فيه كيف تم طمس وتدمير أغلبية الآثار الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرهما من الأماكن الأثرية في أرجاء متفرقة من السعودية بحجة الخوف من انتشار عادة عبادة الأحجار والأوثان من جديد، ولوضع حد لظاهرة زيارة الأضرحة كي لا تُصبح مزارات للناس في المستقبل!!.
 
قارن الكاتب بين ما وقع من تدمير شامل لمقبرة البقيع ولعدد من الأضرحة المنسوبة لأمهات المؤمنين، وبين ما عُرض منذ فترة على شاشات التلفاز بالبث المباشر، لعملية نقل تمثال الفرعون “رمسيس الثاني” من ميدان رمسيس الشهير بوسط القاهرة الشهير، إلى منطقة الأهرامات بالجيزة لإجراء ترميمات عليه.
 
الكاتب غمز في مقاله عن وجود كم كبير من الآثار والتماثيل الفرعونية منذ القدم إلى يومنا هذا في مصر، مما يدل على أن المسلمين الأوائل الذي فتحو مصر لم يقوموا بهدم آثارها، ولم يدمروا حضارتها، علماً بأنهم كانوا يملكون العتاد والرجال لدحرها عن آخرها بالمعول والفأس!!.
 
ما الهدف الحقيقي من وراء هدم آثارنا ومعالمنا الإسلامية؟! لقد انقسم الناس بين مؤيد ومعارض حول ما جرى من عملية إبادة لها. المؤيدون يرون أنها خطوة مباركة تمَّ اتخاذها لدرء عادات جاهلية كانت سائدة في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام. والمعارضون يرون أنه خوف مبالغ فيه ولا مبرر له على الإطلاق، في عصر الانفتاح الفكري وثورة المعلومات وقوة العقل الجبّارة التي ترفض الانصياع لأسباب غير منطقية وخاصة أن العقل يتطوّر مع تطوّر حقب التاريخ.
 
لقد قرأت خبراً مُشابهاً على الإنترنت، أن عدداً من رجال الدين المتصفين بالغلو، قاموا بإصدار فتوى تحث على تدمير المراقد المقدسة الشيعية في العراق!! وهو ما يخلق علامة استفهام كبرى حول الجدوى من الدعوة إلى القضاء على الآثار والمقدسات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي!!.
 
جميعنا بالتأكيد يتذكّر ما حدث في أفغانستان إبان حكم “طالبان”، حيث قامت بهدم كافة الآثار عن بكرة أبيها رغم الصيحات والاحتجاجات التي تعالت من منظمة “اليونسكو” ومن كافة أرجاء العالم لوقف هذا الدمار. وكانت حجة “طالبان” وقتها أنه لا لعبادة الأصنام، وأن السماح ببقائها مُخالف للتعاليم الإسلامية!! هذا في الوقت الذي كانت تسمح فيه “طالبان” بزراعة “الأفيون” الذي ما زال إلى اليوم يُعتبر المصدر الأساسي لدخل الكثير من المزارعين داخل أفغانستان!!.
 
أليس مستهجناً أن تهتم العقول المتحجرة بطمس آثارنا ومعالمنا الإسلامية، وتترك الأهم المتمثّل في السعي لتنوير عقول الشباب وحمايتهم من الأفكار المتطرفة وإبعادهم عن بؤر التطرف التي أوصلت مجتمعاتنا العربية إلى هذا النفق المظلم؟!.
 
كل دول العالم المتحضّر تحترم آثارها، وتصرف الأموال الطائلة لحماية معالمها، لكننا لم نرَ مجتمعاتها قامت بعبادة تماثيلها، كونها تُدرك بأن من حق الأجيال أن تُدرك عمق تاريخها، وتتعلّم كيف وصلت بلدانها إلى أوج حضارتها. ولتُبيّن لهم كيف كان لها أجداد عظام صنعوا تقدمها، وأنها لم تُولد لقيطة على قارعة الطريق بدون أصل ولا فصل!!.
 
إن مصر على الرغم من أنها تحمل إرثاً كبيراً متمثلاً في حضارة الفراعنة، فهي دولة تعتز بدينها وعروبتها ولم تفكر أن تخلع ثوبها وتهرع خلف تاريخ اندثر، لكن واجبها يُحتّم عليها أن تتمسك بما خلفه أجدادها من حضارة يرفع العالم بأسره قبعته انبهاراً بإنجازاتها. وهذا ينطبق على الكثير من البلدان العربية التي تزخر بالكثير من الآثار القيمة. إننا لم نجد بين هذه المجتمعات من يُحرّض على العودة إلى حظيرة الكفر وتأليه الأصنام!! كفى استهانة بعقل الإنسان الذي اصطفاه الله بنعمة العقل وجعله السيد الآمر على الأرض.