دُمية التطرّف!!

دُمية التطرّف!!

دُمية التطرّف!!

الأحد 9/12/2007

 
هل الدنيا تؤخذ غلاباً، أم بالتروي والتفكّر؟! هل الأمور المستهجنة في الحياة تحتاج لضربة سيف ورصاصة قاتلة، أم لحمائم سلام تُرفرف في أفضية العالم؟! ألا يُؤكد منطق الحياة أن على المرء أن يُحني ظهره للرياح العاتية إذا صادفته في طريقه، حتّى لا تجيء النهاية فاجعة وتلقيه بعيداً دون أن يملك الحيلة لردع اندفاعها وكبح جموحها!!.
 
مجتمعاتنا العربية للأسف لا تُصغي للحكم والأمثال التي تركها الأجداد لها بالرغم من قيمة مضامينها، بل تتعمّد فتح صدرها في ليالي الشتاء القارسة إلى أن تُصاب بالتهاب رئوي يُفضي بها إلى الموت. وتركن أيضاً إلى الوقوف تحت أشعة الشمس الحارقة في أيام الصيف حتّى تُصاب رأسها بضربة شمس، معتقدة في قرارة نفسها أنها بطولات عنترية سيصفق العالم بأسره لها!!.
 
بلا شك جميعنا يرفض أن يتحدّث الغرباء باستهجان عن ديننا أو أن يرشق نبينا بسوء، لكن ما جرى في السودان منذ أسابيع قليلة كان مبالغاً فيه، حيث خرج المئات في العاصمة السودانية ملوِّحين بالسيوف والرايات الإسلامية البيضاء، منددين بالمعلمة البريطانية التي أطلقت اسم محمد على دمية دب!! صحيح أن الحكومة السودانية أصدرت لاحقاً عفواً عن المعلمة، إلا أن الحكم الذي صدر قبلها عن المحكمة بسجنها خمسة عشر يوماً وترحيلها من البلاد أثار استياء عارماً في أرجاء أوروبا!!.
 
مجتمعاتنا العربية تزخر بقضايا جوهرية كثيرة تحتاج من الناس التركيز عليها، وتستوجب منهم الخروج إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم وتسجيل اعتراضهم على آدميتهم المسلوبة وحقوقهم الضائعة داخل أوطانهم، والمطالبة بتطبيق أحكام عادلة على المتورطين فيها!.
 
نعم من حقنا أن يُقدرنا العالم ويحترم مشاعرنا، لكن كيف يكون هذا والمجالس القضائية في أغلبية الدول العربية مُسيسة، تنعدم استقلاليتها، وكل ما تحكم به لا يتم بحيادية تامة وإنما من خلال التبعية الصامتة لأنظمتها!.
 
كيف يمكن أن يثق الغرب في تصرفاتنا وردود أفعالنا، وفي مجتمعاتنا من يقتل بعضهم بعضاً نتيجة طغيان العنصرية المذهبية والطائفية والقبلية فيها؟!.
 
كيف يمكن أن يحترمنا الغرباء وشبابنا يُغرر به كل يوم من قبل رجال دين متطرفين، شباب مغروس حتّى أخمص قدميه في مستنقع التطرف، متشبثاً بثقافة العنف كحل سحري لكافة مشاكله؟!.
 
كيف نُريد من الغرب أن يُصفق لمطالبنا، ويُصغي لاحتجاجاتنا، ويفتح لنا مطاراته دون قيد أو شرط، ويسمح لنا بالتسكع في طرقاته، والجلوس بمقاهيه، واستنشاق نسائمه العليلة، وفينا ومنّا من يدسُّ له القنابل، ويقضُّ مضاجعه، ويتحيّن الفرص لتسديد ضربات قاضية في ظهره!!.
 
كيف نريد أن يتودد الغرب لنا والمهاجرون من العرب المسلمين الذين هربوا من أوطانهم بحثاً عن مرافئ آمنة خلدوا إليها بعد سنوات عذابات طويلة داخل أوطانهم الأم، يردون المعروف بالجحود ويُمارسون العقوق بكافة أشكاله، ويقومون بسب المجتمعات الغربية نهاراً وليلاً في عقر دارها، مستغلين سقف الحرية المتاحة لهم لقول أي شيء!!.
 
لنُصلح نوافذ بيوتنا، نُرتّب حجراتنا، نُطالب بتطبيق مبدأ المساءلة على الجميع دون تفريق بين مسؤول كبير وفرد بسيط. لنطالب بفتح ملفات الفساد وما أكثرها وخاصة تلك المتعلقة بالقضاة المرتشين الذين تعودوا أن يميلوا مع الكفة الراجحة، ويقفوا مع الصوت الأقوى داخل مجتمعاتهم!.
 
الضعفاء وحدهم لا يملكون حججاً قوية لدمغ مطالبهم وهذا ناتج عن قلة حيلة وقِصر نظر!! صحيح أن إهانة ديننا والتعرّض لنبينا مرفوض، لكن لنسأل أنفسنا: ماذا فعلنا من أجل أن نُحافظ على نصاعة هذا الدين؟! كل ما تعلمناه للأسف لا يتجاوز احتراف رياضة الملاكمة التي تجعل الإنسان قادراً وسط الحلبة على تسديد لكمات قاتلة لعدوه، أما الحوار العقلاني فليس له مكان في أروقة مجتمعاتنا!!.
 
إن المحاولات التي تقوم بها الحكومات العربية التي اكتوت بنار التطرف، للأسف كلها سطحية غير فعالة!! تنحصر أدوارها في قطف رأس الآفة ورمي الخارجين عن القانون في السجون والمعتقلات دون أن تسعى بجدية إلى قلعها من جذورها كي لا تنبت من جديد!!.
 
لابد من وضع خطة منهجية شاملة قوامها حقن أجساد مجتمعاتنا المريضة بمصل التوعية الفكرية، بدلاً من ترك فيروس التطرف العشوائي القاتل يعبث تحت جلدها والذي سيزيدها انغلاقاً ويجعلها على طول الخط تُحصي على الآخرين زلاتهم وإن صدرت عن حُسن نية!!.