كُلٌّ يفتي على هواه!

كُلٌّ يفتي على هواه!

كُلٌّ يفتي على هواه!

الأحد 23-12-2007

 
من يُتابع السباق المحموم الدائر على القنوات الفضائية العربية حول كم البرامج الدينية التي تُقدمها، يعتقد بأن جملة قضايانا السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد حُلّت ولم يعد ينقص حياتنا سوى سماع فتاوى عشوائية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، حتّى امتدت الفتاوى إلى تفسير مضامين الأحلام التي تنتاب الواحد منّا في نومه، بل ووصل الغلو ببعض الشيوخ إلى تقريع أصحابها عليها كأنهم صانعوها!.
 
وقد قام بتسويقها الإعلام المرئي، سعياً وراء استقطاب المشاهدين لضمان استقبال كم هائل من الاتصالات الهاتفية على الهواء، والتي بلا شك تدر مكاسب مالية ضخمة على مالكي القنوات الفضائية وعلى مقدمي هذه النوعية من البرامج، مما يُؤكد انجذاب الشعوب العربية نحو شيوخها وأئمتها بمن فيهم الذين يُطلقون أفكارا متطرفة!.
 
كثير من الناس أنصتوا حائرين ومتعجبين من فحوى الفتوى التي أطلقها مؤخراً مفتي جمهورية مصر العربية، بأن الرجال الذين يُحركهم الجشع والطمع ليسوا بشهداء! وكان يقصد بها الشباب الذين قضوا نحبهم غرقاً أثناء رحلتهم المشؤومة إلى إيطاليا. في الوقت الذي أصدر مجمع البحوث الإسلامية بياناً معارضاً يؤكد فيه على أن هؤلاء الغرقى شهداء كونهم هجروا أوطانهم بحثاً عن حياة كريمة! لكن في كلا الموضعين ماذا يُضير هؤلاء الأموات إن نُعتوا بالضحايا أو أُلصقت بهم تهم جوفاء! إن آلافا من الشباب العربي يموتون يوميًّا على شواطئ غريبة وهم يضمون أحلامهم المؤءودة إلى صدورهم التي رسموها في وجدانهم منذ نعومة أظافرهم!.
 
الفتاوى التي تصدر على استحياء حسب الظروف والوقائع ومستلزمات الحال، تدل كيف تلعب الفتاوى بعقلية الشعوب العربية التي اعتادت أن تتعلّق بقشة وهم تنقذها من يم أحوالها المتردية من جهة، ومن جهة أخرى تُظهر مدى استغلال بعض الحكومات العربية لظاهرة التديّن، واستخدام الفتاوى في تلميع صورتها وفي تمرير قوانين ترغب في تثبيتها بأذهان مواطنيها!.
 
في الدول المتحضرة، الشباب دوماً في مقدمة الصفوف، تأخذ حكوماتهم بأيديهم، تستمع لمقترحاتهم، تُنمّي مواهبهم، تُسلحهم بالتعليم المتطوّر، تفتح أمامهم آفاقا واسعة للنهل من دروب المعرفة المختلفة، تُشجعهم على أن يكون لهم دور في صُنع القرار داخل أوطانهم، لإدراكها أنهم أمل الغد والنبراس الحقيقي للمستقبل، وأن عجلة التقدّم والازدهار لن تتم إلا بهم ومن خلالهم.
 
جلَّ الحكومات العربية للأسف لا تلتفت لمشاكل شبابها، ولا تُصغي لمطالبهم، بل تتركهم وجبات دسمة تلتهمها عن آخرها حيتان البحر! حيثُ يتم إقصاؤهم عن عجلة التنمية داخل أوطانهم، وتنظر ناحيتهم بحذر وريبة، وتقوم متعمدة بعزلهم عن كافة قضايا مجتمعاتهم، وترميهم بأقذع الشتائم، وتُعايرهم طوال الوقت بأنهم جيل لين يفتقد لصبر أيوب الذي كان يتمتع به أجدادهم، وأنهم يريدون أن يصلوا إلى القمة بأسهل الطرق دون تعب أو معاناة! وإن قرروا الخروج من بيوتهم وهم يجرون ذيول خيباتهم ويحملون زاد انتكاساتهم على ظهورهم، اتهموا بخيانة أوطانهم!.
 
عدد من البلدان الخليجية التي تتمرّغ في خيرات النفط، شبابها لا يشذُّون عن هذه القاعدة، حيث أن نسب البطالة فيها مرتفعة، وفرص العمل محدودة نتيجة للتعليم المتردي، دون أن تفكر حكوماتها التي تُهدر أموالا طائلة على التسلّح، أن تستقطع جزءا من عوائدها النفطية لتأهيل الشباب مهنيا، ناصحة إياهم أن يرضوا بالمقسوم حتّى وإن كان لا يتناسب مع مؤهلاتهم وطاقاتهم. واضعة نصب أعينهم أن الأرقام المتصاعدة للدخول النفطية لا تخصهم من قريب أو بعيد !.
 
هذه المعاملة المجحفة التي يلقاها الخليجي في أرضه، انبتت ظاهرة غريبة لم تكن متواجدة في الماضي، وبدأت نسبتها في التصاعد بالسنوات الأخيرة، وهي هجرة عدد من الأسر الخليجية إلى الخارج سعياً وراء الرزق المضمون والمستوى المعيشي الجيد، بعد أن كانت هذه الصورة السلبية مقتصرة على الدول العربية الفقيرة التي أعتاد أفرادها على شد الرحال بعيداً لتأمين مستقبل آمن لأسرهم. وهو ما يعني أن كفة الميزان قد بدأت تتساوى بين الدول الغنية والفقيرة على الرغم من أن الكفة الأولى تملك التبر والثانية لديها التراب!.