هل نعيش أزمة أخلاق؟!

هل نعيش أزمة أخلاق؟!

هل نعيش أزمة أخلاق؟!

الأحد 6/4/2008

 
هل مجتمعاتنا العربية والإسلامية بخير؟! هل أروقتها وأزقتها وشوارعها العريضة المضاءة بأعمدة النور القوية، تخلو من الفسق، وتنتشر في أفضيتها الفضائل الإنسانية؟! هل البيوت العربية جدرانها سميكة لا تحتاج إلى ترميمات داخلية، أم أنها تعيش أزمة أخلاق حقيقية تنفذ لخياشيم كل من يلمس سقفها المتصدّع؟!.
 
بلا شك أن المجتمعات العربية ليست منزهة عن الخطايا، وأرضها مثل كل مجتمعات الدنيا مليئة ببؤر الرذيلة، زاخرة بالصالح والطالح! لكن المصيبة تكمن في أن ثقافتنا الاجتماعية تقوم على الازدواجية، تتباهى بتبجّح أن لها أخلاقياتها العالية التي تُميزها عن سائر الأمم، رافضة قشع وجهها الآخر أمام الغرباء، أو تعرية جسدها المريض، حتّى وإن كان فيه خلاصها من العلل المتوغلة فيه!.
 
القنوات الفضائية، والصحافة المكتوبة، نجحت بعض الشيء في الكشف عن قضية خطيرة باتت تقضُّ مضاجع الأسر العربية، وهي قضية اغتصاب المحارم! وفي كل يوم تصطدم أعيننا وتخترق مسامعنا بقصص تقشعر لها الأبدان، بطلاتها فتيات لم يبلغن سن الحلم وتمّ اغتصابهن على يد الأب أو الأخ أو أحد الأقرباء.
 
مؤخراً وقعت جريمة مقززة في دولة الإمارات، بطلها زوج الأم الباكستاني الذي قام باغتصاب بنات زوجته الأربع، بل وقام بمعاشرتهن معاشرة الأزواج تحت تهديد السلاح، وأنجب من كل واحدة طفلاً. هذا المشهد المأساوي صار يتكرر بين حين وآخر في كافة الدول العربية، مع هذا لا تُوجد إحصائيات دقيقة عنها، بسبب خشية الضحية المغتصبة من الجهر بشكواها، تحسبّاً من ردود أفعال مجتمعها، ومداراة للفضيحة التي ستلتصق بها إن هي كشفت عنها، حيثُ تظل تحمل وزر خطيئتها معها أينما حلّت، كأن على المرأة أن تدفع ثمن أنوثتها في كافة مراحل حياتها!.
 
هذه الفاحشة التي تُحرمها كافة الأديان السماوية، لماذا شاعت في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، رغم الغلو الديني الذي مارس سطوته في الأعوام الأخيرة، ووضع قائمة طويلة من الحلال والحرام؟! لماذا لم يتحرّك علماء الدين لاحتواء هذه الظاهرة، وملاحقة أسبابها بجديّة؟! لماذا لم يُشكّل الوازع الديني لدى الإنسان العربي والمسلم، درعا قويّة لمواجهة هذه القضية التي غدت تأخذ أبعاداً اجتماعية خطيرة؟!.
 
للأسف، لقد انشغل أكثرية الشيوخ في إطلاق فتاوى شرعية ساذجة، تنصب جميعها في تحجيم أدوار المرأة، والحط من قدرها، والتحذير من فتنتها التي ستُدمّر الأرض ومن عليها، وتعميم تشريعات لا تتناسب مع مستلزمات العصر الحالي، دون أن يضعوا ضوابط صارمة تصون كرامة المرأة وتحميها من الوحوش الآدمية من ذوي القربى الذين أماتوا ضمائرهم، وتحينوا الفرص للانقضاض عليها!.
 
المثير للاستغراب أن القنوات الفضائية التي خصصت برامج حيّة لشيوخ الدين ويستمر بثها على شاشات التلفاز ساعات طوالا، لم يستغلوها في التطرّق بحزم لهذه القضية! ولم تخرج إلى اليوم فتوى شرعية جماعية تُطالب بتطبيق أقصى العقوبة على كل من يتورّط في اغتصاب المحارم! بل نجد أن بعض القضاة داخل السعودية يمتنعون عن إسقاط ولاية الأمر عن الآباء الذين انتهكوا عذرية بناتهم، دون تقديم تبريرات مقنعة عن استمرارية القوامة في أشخاص تعتبرهم الشريعة من المفسدين في الأرض!.
 
إضافة إلى أن المؤسسات التربوية والتعليمية لم تلتفت إلى هذا الأمر بجديّة! ولم تسعَ إلى وضع خطط منهجية لاحتواء هذه المشكلة الخطيرة، مما يستوجب الاستعانة بالأخصائيين النفسانيين وعلماء الاجتماع ورجال الدين المعتدلين، لدراسة هذه الحالات بصراحة مطلقة، وبأساليب علمية مدروسة حتّى تحد منها على الأقل!
 
بلا شك أن هناك واقعا مشوها يجب مواجهته، يُحتّم زرع معاني الحقوق في عقول الأجيال الجديدة من الفتيات. وتدريبهن على كيفية حماية شرفهن مهما كانت الظروف المحيطة بهن قاسية. وتعليمهن كيفية الذود عن أنفسهن حين يُفكر أحد في الإيقاع بهن، أو دفعهن قسراً داخل شباك هذه المصيدة المحرمة!.
 
إن التغنّي صباحاً ومساء بنقاوة مجتمعاتنا العربية لن يقضي على المشكلة، وسيكون مجرّد مخدّر مؤقت لوقف الألم، لكنه سيخلّف على المدى البعيد قنبلة آيلة للانفجار في أي لحظة! وإن انقشاع هذه الغمة يستلزم الاعتراف بكل ثقة بوجود هذا النوع من الاضطراب النفسي، حتّى نتمكن من محاصرة دوافعه، ومعالجة أسبابه. الشجاعة في قول الحق واجبة وليست منّة!.