أفواه تصرخ… وحكومات تصمت!!

أفواه تصرخ… وحكومات تصمت!!

أفواه تصرخ… وحكومات تصمت!!

الأحد 27/4/2008

 
اجتاحت أزمة الغلاء، مؤخراً، معظم مدن العالم، مما دفع الأفواه الجائعة للخروج في الشوارع، طالبة من حكوماتها سدّ احتياجاتها والالتفات لمطالبها المعيشية. هذه الحالة لم تكن مفاجئة للجميع، فقد سبق أن أطلقت منظمة الغذاء العالمية “الفاو” تحذيرات من أن هناك أزمة غذائية ستحل بالعالم، إذا لم تتكاتف الجهود لوضع حلول جذرية للحد منها!.
 
نار الغلاء، لم يكتوِ بها الفقراء فقط، بل امتدّ سعيرها لينال الطبقة الوسطى التي غدت مهددة هي الأخرى بالتلاشي واللحاق بركبهم! فإذا صوّبنا أنظارنا نحو مصر، سنجد أن أزمة رغيف الخبز لفرد لا يتجاوز دخله دولارين في اليوم، تُجبر رب الأسرة على الوقوف منذ ساعات الفجر الأولى أمام طوابير الأفران المدعومة من الحكومة، مما تسبب في وقوع حوادث بلغت حد العراك بالأيدي، من أجل عيون رغيف قل وزنه ونقص حجمه! والسبحة تنفرط، حيث نرى معاناة مشابهة في كافة الدول العربية، والأصوات المتبرمة تتزايد أعدادها يوماً بعد يوم، بما فيها الدول الخليجية التي تسبح في آبار النفط! مما يؤكد أن للمشكلة أبعاداً أخرى، وأسباباً جوهرية، وأنها لم تعد مقتصرة على بلدان بعينها! .
 
المحتاجون لا يأبهون بالأيدي الباردة التي تُربّت على أكتافهم، لتطيّب خاطرهم ولزرع الطمأنينة في قلوبهم، لكونهم شبعوا من سلسلة الوعود المزيفة، وملّوا من جنان الوهم التي يُوعدون بها كل يوم! لذا صار ينتابني شعور مخجل وأنا أتابع ما يجري على أرضنا! فالحكومات العربية في وادٍ، وشعوبها في وادٍ آخر! فمن جهة كشفت أزمة الغذاء قلة خبرة هذه الحكومات في التعامل مع احتياجات مواطنيها الأساسية، وهذا ظاهر للعيان من تعامل مسؤوليها مع الأزمة برفع شعار “طنّش، تعش، تنتعش”! ويؤكد من جهة أخرى الفساد المستشري في أروقتها حيث تحوّل المواطن إلى كبش فداء ذُبح بدم بارد! ويكشف على الملأ من جهة ثالثة، تلاعب التجّار الكبار مع الأزمة، ويُظهر مقدار جشعهم في تحقيق مكاسب ضخمة، دون أن تهتزَّ أجفانهم، أو تؤرقهم ضمائرهم، على ما تنقله وسائل الإعلام من قصص مأساويّة بطلها المواطن ذو الدخل المحدود!.
 
“الجوع كافر”، عبارة أسمع أمي تُرددها، كلما تابعت مشهداً من مشاهد الفقر المؤلمة على شاشات التلفاز، عبارة لا تبتعد كثيراً عن وصف الواقع المرير، والذي دفع بعض النفوس الضعيفة إلى إنهاء حياتها بيديها، رغبة في الخلاص من مسؤولياتها التي لم تعد قادرة على الالتزام بها، واللجوء إلى الانتحار الذي حرّمته كافة الأديان السماوية. كما أنه أصبح عاملاً قوياً لدى الكثيرين ليتحولوا إلى سارقين وقطّاع طرق ومرتشين من أجل لقمة العيش برفع شعار “الغاية تُبرر الوسيلة”!.
 
والذي زاد الطين بلّة، المشاعر الغاضبة المسيطرة على قلوب الشباب الذين أفنوا صباهم على مقاعد الدراسة، معتقدين أنهم سيمسكون عنان السماء بفضل شهاداتهم العلمية، فكشفت لهم الأيام أن الأحلام شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر! يضع كل شاب ملفه الوظيفي تحت إبطه، ويقف في الصفوف الطويلة، كل أمله الحصول على وظيفة يفتح بها بيتاً ويكوّن عائلة صغيرة، فيفاجأ بأن التقييم ليس للمؤهل العالي وإنما لمن يحمل توصية مُذيلة بتوقيع مسؤول بارز أو شخصية مرموقة!.
 
تُعطي لهم حكوماتهم ظهورها، وتزعق في وجوههم مُتبجحة بأنها عاجزة عن تلبية مطالبهم لضآلة ميزانياتها، وفجأة تقع عيون الشباب المحبطة آماله على إعلانات ضخمة تملأ الشوارع وخانات الصحف، لفنانين صاعدين لم يتجاوزوا عقدهم الثاني يتقاضون ملايين الدولارات عن حفلاتهم الغنائية!.
 
صمت الحكومات المريب تجاه موجة الغلاء المتصاعدة! وتجاهل المؤسسات الاجتماعية لآثارها السلبية! والمناخ المتناقض الذي يُظهر تمرّغ شريحة محددة في نعيم أوطانها، وافتقاد الشريحة الكبرى لأدنى مقومات الحياة، والمحصورة في توفير وجبة صغيرة تسد بها رمقها، والتطلّع إلى حياة شريفة تؤهلها لمواجهة أعباء معيشتها، كلها عناصر ستؤدي إلى خلق قنبلة بشرية موقوتة قد تنفجر في أي لحظة مُحدِثةً دويّاً هائلاً!.
 
أنا لستُ خبيرةً في الشؤون الاقتصادية، لكن يجب على الحكومات العربية إيجاد مخرج لهذه الأزمة، بالتكاتف مع مؤسساتها الاجتماعية، والحد من سطوة التجّار الذين يُسيطرون على سوق الغذاء. إنه الجوع يا سادة… وما أدراكم ما الجوع!!.