كُلنا في الهم سواء!

كُلنا في الهم سواء!

كُلنا في الهم سواء!

الأحد 13/1/2008

 
هل للثقافة جنسية؟! هل للأدب هوية معينة؟! هل الإبداع مقتصر على شعوب بعينها؟! هل ما يتردد بين حين وآخر في أروقة الثقافة العربية، أنه لا يوجد أدب خليجي جاد، رأي يُقارب الحقيقة؟! هل هذا يعود إلى الاعتقاد الرائج بأن الإبداع يخرج من رحم المعاناة المعيشية؟! لماذا يُحيط المثقفون العرب، المثقفين الخليجيين بهذا السياج ضيق الرؤيا؟! وهل هذه النظرة شمولية أم تقتصر على فئة محددة؟!.
 
مؤخراً طرحت “إيلاف” الإلكترونية سؤالاً مباشراً على عدد من الكتّاب العرب والخليجيين حول النظرة المتبادلة بينهما، والتصوّر الذهني تجاه كل منهما للآخر! فهل بالفعل هناك سوء فهم تجاه المبدع الخليجي؟! هل البلدان الخليجية أفرادها غارقون حتى أخمص أقدامهم في النفط، يغوصون في كتل من الدولارات، مما جعلها تفتقر لمبدعين حقيقيين قادرين على تقديم صور حيّة عن هموم مجتمعاتهم الحياتية؟! أليس هذا التصوّر خاطئ، كون الواقع الذي يجهله الكثيرون أن عدداً كبيراً من المبدعين الخليجيين يقتاتون على مداخل كتاباتهم الصحفية وإصداراتهم المنشورة، التي بالكاد تُغطي مطالبهم الأسرية!.
 
عُدتُ بذاكرتي إلى عدة سنوات إلى الوراء. حينما دعتني الناشرة “جورجيت عطية” إلى سوريا، لإحياء أمسية في صالونها الأدبي، الذي اعتادت أن تُقيمه أسبوعيّاً في منزلها قبل أن يتم لاحقاً إغلاق الصالونات الأدبية في سوريا! أبديتُ لها دهشتي حين ألفيتُ الحضور بالكاد لا يتجاوز الخمسة أشخاص! قالت لي يومها بنبرة متحرّجة. هم في الطريق. ما أن انتصف الليل حتّى قارب العدد من الأربعين بين نساء ورجال. أخبرتني بعدها، وأنا في طريقي إلى المطار عائدة إلى جدة أنها كانت قلقة في بداية الأمر حيثُ قامت بتوزيع الدعوات قبل وصولي بوقت كاف، لكن سمعت تعليقات من بعض المدعوين… “ماذا لدى كاتبة خليجية لتقوله؟!” بعد أن بدأت بقراءة قصتي الأولى، بدأ الحضور الذي لم يتعدّ أصابع اليد الواحدة يتصل بالآخرين ليؤكدوا لهم أن الأمسية ممتعة تستحق القدوم. أثلجت صدري صراحتها وشعرتُ بالسعادة لأني نجحتُ في ترك انطباع حسن لدى المثقفين السوريين الذين يُعتبرون بجانب المصريين من الأوائل في تصدير الثقافة للبلدان العربية الأخرى بمن فيها الخليجية.
 
هل بالفعل أدبنا الخليجي لا يستحق التعقيب من قبل النقاد العرب؟! هل ما زالت النظرة قائمة إلى اليوم، أم أن المؤسسات الثقافية التي تم إنشاؤها مؤخراً في عدد من البلدان الخليجية ساهمت في ترسيخ مكانة الأدب الخليجي، وسحبت البساط من دول المركز التي كانت تتمتع بالصدارة في القرن الماضي؟!.
 
قالت لي صديقة بنبرة استفزازية، أدبكم أدب مرفه، لم يذق طعم الاحتياج، وليس فيه مرارة التجربة المعيشية. تكتبه الأغلبية من أجل البهرجة الاجتماعية. أتعرفين ماذا ينقص المثقف الخليجي؟! أن تكون له مواقف واضحة من قضايا مجتمعه وأمته العربية، وآراء مستقلة فيما يجري من حوله، فثقافتكم مُسيّسة لم يفلح في الخروج من عباءتها إلا نفر قليل منكم. مناخكم الخليجي ما زال في طور المراهقة لم يصل إلى مرحلة النضوج. نحن سحقنا الاستعمار، دفعنا إلى التمرّد والثورة على نير الظلم والاستعباد، وطحنتنا همومنا الحياتية ومتطلباتنا اليومية التي لا تنتهي.
 
أجبتها… صديقتي، جميعنا بلا استثناء تشغلنا الحريات، وننبّش طوال الوقت عن المساواة، ونتطلع إلى إرساء معالم العدل داخل أوطاننا، ونحلم بمجتمعات مدنية حقيقية تقوم على احترام آدمية الإنسان. كُلنا نحمل في جعبتنا أمنيات جميلة لا يختلف عليها غني وفقير، متعلم وجاهل، شيخ وشاب، امرأة ورجل.
 
صديقتي، كافة المثقفين النزهاء في عالمنا العربي مُهمّشون داخل أوطانهم إن لم يعلنوا ولاءاتهم المطلقة! يُعانون من القمع والاستبداد ويتعرضون للمساءلة إن حشروا أنوفهم فيما لا يعنيهم وكتبوا كلاماً لا تستسيغه حكومات أوطانهم! وكل من سوّلت له نفسه إطالة أظافره أكثر من اللازم، أُخضع للتأديب بكل صنوفه ومسالكه! في عالمنا العربي مئات من العيون ترصد المبدع وتعلمه أصول اللياقة في الحديث إن مد لسانه خارج فمه!.
 
كفانا فرقة صديقتي، نحن نسير في مركب هش وسط بحر هائج وأمواج عاتية! إن تمزقت أشرعته قولي على مجتمعاتنا العربية السلام.