اتفقوا على ألاّ يتفقوا!!

اتفقوا على ألاّ يتفقوا!!

اتفقوا على ألاّ يتفقوا!!

الأحد /28/9/2008

 
يحتدم حاليّا صراع خفي بين مصر والمغرب حول منصب رئاسة “اليونسكو”، وهي منظمة تُعنى بالتربية والتعليم والفنون والثقافة. وقد نشأ هذا الصراع بعد أن قررت مصر ترشيح وزير الثقافة فاروق حسني وهو فنان قبل أن يكون رجل سياسة، وقيام المغرب من جهتها بترشيح الكاتبة والأكاديمية عزيزة بناني المعروفة في الأوساط الثقافية، والتي تم سحب ترشيحها منذ أيام.
 
كانت المغرب قد استغلت الضجة التي أثارها في الأشهر الماضية نقيب الممثلين في مصر، بمنع مشاركة الفنانين العرب في الأعمال المصرية بالتشكيك في دورها الريادي، وأنها سعت بتصرفها هذا إلى بث التفرقة بين الفنانين العرب، من خلال فرض سطوتها والانفراد بالساحة الفنية العربية! إضافة إلى أن مصر من وجهة نظر المغاربة لم تعد منارة المثقفين كما كان جارياً في عصر التنوير، حين كان كافة المثقفين العرب يحرصون على الاستزادة من معارفها والتواصل مع مبدعيها.
 
قد يكون في كلام المغاربة شيء من الصواب، فأغلبية المثقفين المصريين اليوم متقوقعون على أنفسهم، ولا يُتابعون ما يجري على الساحة الثقافية العربية وعلى الأخص الخليجية، ولا أدري هل تصرفهم هذا ترفع أم قصور منهم! علما أن مناخ العولمة وثورة الاتصالات، ساهم في تقريب المسافات، وإذابة الحواجز الثقافية.
 
الملفت في الأمر أن هناك أقلاما مصرية لها مكانتها الثقافية، عارضت هي الأخرى ترشيح الوزير فاروق حسني، بل وهاجمته، متهمة إياه بأنه يسعى باستماتة للحصول على هذا المنصب بمغازلة إسرائيل، من خلال تراجعه عن أقواله التي هدد فيها بحرق الكتب الإسرائيلية في حال تواجدها في مكتبات وزارة الثقافة، ما يعني قيامه بإرسال رسائل اعتذار مبطنة لإسرائيل حتّى لا تُعارض ترشيحه، مطالبين إياه بالوقوف وقفة حازمة في وجهها، وليذهب هذا المنصب إلى الجحيم حتّى لا يُسيء لعروبة الشعب المصري!
 
كان وقتها من ضمن المنتقدين للوزير حسني، المفكر الراحل عبد الوهاب المسيري، الذي نبّهه من مغبة الانزلاق لهاوية اللوبي اليهودي، الذي سيحاول الاستفادة من زلة لسانه حول حرق الكتب لدفعه تقديم المزيد من التنازلات المرتبطة بملف التطبيع.
 
ما جرى على الساحتين المصرية والمغربية، يُذكرني بما جرى منذ سنوات عديدة، حين قامت السعودية بترشيح الدكتور غازي القصيبي لرئاسة اليونسكو، وكان حينها يشغل منصب سفير السعودية في بريطانيا، وقيام مصر وقتها بترشيح الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية لذات المنصب، وانتهى الأمر بخروج الاثنين من ملعب المنافسة وفوز اليابان بها.
 
حينها تساءلت والمعركة الشرسة محتدمة بين المرشحين. كيف تُرشّح السعودية رجلاً من عندها وإن كان في قامة القصيبي لرئاسة اليونسكو، والسلطة الدينية فيها تعتبر الفنون من سينما ومسرح رجسا من عمل الشيطان ولا وجود لها على أراضيها، كونها من وجهة نظرها سيؤدي انتشارها إلى وقوع مفسدة كُبرى؟! وكيف تُرشّح السعودية مسؤولا من مسؤوليها لمنصب”اليونسكو” ، المنظمة التي جزء من مهامها الحفاظ على الآثار، في وطن يصرُّ شيوخه على هدم الآثار الإسلامية أمام الملأ، وفي وضح النهار بحجة سد الذرائع!
 
كان هناك تساؤل آخر يشغل فكري! عن غياب دور الجامعة العربية في تقريب وجهات النظر، والتصويت لمرشح عربي واحد حتّى تتمكّن من مواجهة منافسين شرسين تابعين لدول أخرى لها ثقلها السياسي والمادي! متحسرة على الجامعة العربية التي تتقلّص أدوارها يوما بعد يوم حتّى تلاشت إنجازاتها وغدت مجرد جامعة شكلية “لا تهش ولا تنش”!
 
اليوم تُعاد الكرة، وهاهي الجامعة العربية تقف موقفاً سلبيّاً تجاه ما يجري بين مصر والمغرب، وإذا لم تتدارك الأمر وتسعى إلى ضم الأيدي، وتوحيد الصفوف، وتجميع الأصوات خلف مرشح واحد، سيضيع هذا المنصب الرفيع من أيديهم مرة ثانية!
 
كثير من المثقفين العرب لا يُحبذون تولي مسؤول عربي لهذا المنصب الرفيع، على أساس أن المسؤولين في البلدان العربية ليسوا أحراراً وتابعين لسياسة بلدانهم، وبالتالي لا يملكون صلاحيات تؤهلهم لإصدار قرارات مستقلة تخص أوطانهم!
 
قد يكون لهذا الرأي جانب من الحقيقة، لكن التبعية التي يمتاز بها الكثير من المسؤولين في أقطارنا العربية لا تعني الاستسلام للواقع، والسعي للخروج من عنق الزجاجة إلى العالم الفسيح تستحق محاولة جادة نحفظ بها ماء وجوهنا التي عكّرتها المشادات الكلاميّة، والخلافات السطحية!!