“الروبوت” والإنسان المسلم!!

“الروبوت” والإنسان المسلم!!

“الروبوت” والإنسان المسلم!!

الأحد 19/10/2008

 
في بعض الأحيان حين يتملكني الضجر، أقلّب مفاتيح “الريموت كونترول” لأقف عند واحدة من القنوات الدينية التي غدت أكثر من الهم على القلب! متابعة بفضول سيل الأسئلة التي يطرحها المتصلون في البرامج الدينية، فأستغرق في الضحك من مضامين أسئلتهم ومحدوديّة فكرهم، واندهش من الردود الشاطحة التي يُدلي بها أغلبية الضيوف الدعاة حولها!
 
تُحاصرني حينها تساؤلات كثيرة عن الأسباب التي أدّت إلى تزايد أعداد القنوات الدينية! هل يعود هذا إلى هوس الناس بالفتاوى المتعلقة بسلوكياتهم، مما أدّى إلى رواج ظاهرة الفتاوى الدينية مقارنة بالعقود الماضية؟! هل يعود هذا إلى اشتعال فتيل التطرّف الفكري في العالم بأسره، مما أوجب خلق أداة قوية ومؤثرة لمواجهته؟! هل تزايد أعداد الدعاة الذين نصبوا أنفسهم لرصد أفعال الناس، دفعت الجميع إلى الالتفاف حول هؤلاء الدعاة والأخذ بمشورتهم؟! هل ساهم مالكو القنوات في ترسيخ هذه الظاهرة، على أساس أن لهذه القنوات شعبية كبيرة وعوائدها المالية عالية؟! هل هناك عوامل أخرى غامضة تُدار في الخفاء خلقتها الحكومات العربية، لكي تُلهي الشعوب عن قضاياها المعيشية، وتدفعها عن عمد إلى الدوران في دائرة الحلال والحرام، لينتهي الأمر بتغييب العقول العربية عن السلبيات الجسيمة التي تنخر في بنية أوطانها؟!
 
ليس هناك أسهل من أن يصبح الإنسان داعية! يكفي أن يضع قناعا مزيّفا على وجهه، ويتلاعب بنبرات صوته، ويحفظ كمية وفيرة من الأحاديث الشهيرة، ويطّلع على السيرة النبوية، وينجح في تخصيص برنامج ديني له بإحدى القنوات الذائعة الصيت، حتّى تُلاحقه الأعين ويُصبح بين يوم وليلة نجما ساطعا مثل نجوم الرياضة والفن!
 
أتذكّر بأن صاحبة لي قالت مداعبة في واحدة من جلساتنا حين أتت السيرة على قائمة الأثرياء في العالم العربي التي تمّ نشرها وجاءت مفاجئة للكثيرين بسبب تضمنها أسماء لدعاة انخرطوا في سلك الدعوة منذ سنوات قليلة، أن هذا الخبر أسال لعابها، وحرّضها على التفكير جديّاً في الاستقالة من عملها، الذي بالكاد يُغطّي نفقاتها ومتطلبات أسرتها، والتحوّل إلى داعية تُلقي محاضرات دينية نظير أجر مدفوع الثمن. وقد علّقت أخرى من صويحباتي على كلامها بالقول: لكن هذا يحتاج إلى ثقافة دينية واسعة وأنتِ لا تملكينها! ضحكت قائلة. هذا ليس بمعضلة كبرى! بإمكاني شراء بعض الكتب الدينية المتخصصة، ثمَّ أعكف على قراءتها أشهرا قليلة في البيت مع حفظ الأحاديث الشهيرة المتعلقة بالمرأة التي لم تزل محور جدل مستمر!
 
كان مفتي الجمهورية في مصر الدكتور علي جمعة، قد انتقد مؤخراً تجرؤ غير المتخصصين من الدعاة على إصدار الفتاوى الشرعية! مُظهراً امتعاضه من كثرة أسئلة الناس في رأي الدين لكل صغيرة وكبيرة في نهج حياتهم، مؤكدا على أنها ظاهرة غير صحية!
 
لا أدري لماذا تلحُّ في ذهني صورة “الروبوت” كلما رأيت ما يجري في عالمنا الإسلامي!! فكما يخضع الإنسان الآلي لأوامر صاحبه من منطلق أنه صنيعة بشرية!! كذلك المسلم أصبح مُبرمجاً على لائحة ضخمة من المحظورات، دون أن يُحاول أن يستخدم عقله لتفسير الأشياء وتمييز الأمور!
 
للأسف أغلبية الأئمة والدعاة يضعون الدين في قوالب جامدة لا يجب تفنيد تشريعاته! ويريدون من المسلم أن يتعامل مع تفاصيل حياته اليوميّة “بالريموت”، يُعلقه على باب غرفته ويضغط على مفاتيحه لحظة استيقاظه لتبين له هل يقصد الجهة اليمنى أم الجهة اليسرى! حتّى غدا المسلم مثل الطفل القاصر الذي لا يملك رؤية ناضجة لتسيير أمور حياته! وأضحى كالتائه الذي يمشي في دروب معتمة تتطلّب منه أن يفتح عينيه عن آخرهما طوال الوقت!
 
من المعروف أن مجتمعاتنا المسلمة قائمة على الازدواجية والأخذ بظواهر الأمور، وهو ما شجّع الناس على الالتفاف حول هؤلاء الدعاة، والتأثّر بأحاديثهم، والحكم على كل فرد من خلال مظهره الخارجي مما جعل المجتمعات المسلمة تصدح فيها أصوات النفاق والرياء!
 
إن الله ميّز الإنسان عن سائر مخلوقاته بالعقل، وهو ما يدعو إلى وجوب تشغيله دوما، ومناقشة أمور دينه بالمنطق وليس بالانصياع الكامل لجملة من الفتاوى العشوائيّة التي لن تُنهي حيرته، مثلها مثل ماء البحر الذي يضطّر أن يشرب منه الظامئ فلا يزيده إلا عطشاً.