الإعلام العربي… مع وقف التنفيذ!

الإعلام العربي… مع وقف التنفيذ!

الإعلام العربي… مع وقف التنفيذ!

الأحد 4/1/2009

 
تحرص كافة القنوات التليفزيونية في نهاية كل عام، على عرض ملفات الأحداث التي جرت خلاله، ووضع ختم الوداع عليها قبل أن يهل العام الجديد بكل مفاجآته المتناقضة! واعتادت الآذان على سماع أقوال مألوفة تتردد في الأوساط الثقافية العربية، تتهم الإعلام العربي بأنه لم يكن على مستوى المسؤولية في قشع ما يجري في الطرقات الخلفية من أخطاء وتجاوزات! وشيوع نظرة متشائمة تؤكد بأن هذه السنة لن تكون أفضل من سابقاتها، بل ستشهد مزيداً من قمع للحريات، وتعتيماً على الفضائح بجدارة، وأنه سيتم في حفل رسمي إعلان الحداد على موت الفضائيات العربية بأكملها، بمن فيها تلك التي كانت يوماً منبراً للمقهورين وملاذاً للمضطهدين!
 
من منا لم يشعر بالغليان يجتاح فؤاده، وهو يرى مشاهد الدمار والقتل العشوائي الحادثة في قطاع غزة؟! من منّا لم تدمع عيناه وهو يُلاحق بعينيه صور الضحايا من أطفال ونساء الذين سقطوا مضرجين في دمائهم بعد أن طالتهم طائرات العدو الصهيوني دون هوادة أو رحمة؟! من منّا لم يشعر بالخزي والعار على مواقف الحكومات العربية المتخاذلة، التي لم تقف وقفة رجل واحد لحماية شعب غزة من هجمات الجيش الإسرائيلي؟!
 
إن كشف شراسة العدو الإسرائيلي وفضحه على مرأى ومسمع العالم، يعود الفضل فيه إلى الإعلام المرئي الذي غرس مراسليه وسط ميدان المعركة، مُخاطرون بأرواحهم في سبيل إيصال الحقائق إلى الجميع دون مواربة. فهل قامت كافة الفضائيات العربية بدورها على أكمل وجه؟!
 
لقد أصبح المشاهد العربي في حيرة من أمره وهو يُقلّب ناظريه بين قنوات التلفاز ليهدّئ من روعه! ملاحظاً التناقض الواضح في نقل تفاصيل هذا الحدث المؤلم على الشاشات العربية! فهناك قنوات قامت بأداء دورها الحقيقي في كشف ما يجري على أرض الواقع بحيادية تامة. وقنوات أخذت تنقل الخبر من بعيد كأنه شأن داخلي لا يمس عروبتها من قريب أو بعيد. وقنوات مغرضة تحمل في طياتها نوايا سيئة، كل همّها انصبَّ في استغلال الموقف لتأليب الشارع العربي على قادته، دون التركيز على فضح عنصرية إسرائيل وتورطها في مجزرة إنسانية بحق شعب أعزل!
 
هذه الجريمة النكراء التي أثارت غضب الشعوب العربية والإسلامية، والمواقف المتباينة للإعلام العربي، أكدّت بأن الإعلام المحايد مفقود لدينا، وأنه بصحفه وإذاعاته وقنواته التلفزيونية إعلام مُسيّس، تخلّى عن أدواره التي صُنع من أجلها والهادفة إلى توعية الرأي العام على قضاياه، وتعرية الحقائق المتوارية أمامه، حاصراً مهمته في تزويق أنظمة بلاده والترقيع لحكوماته وحماية مسؤوليه! وهو ما يُبرهن على أن الإعلام الحر المستقل ما زال بعيداً عن واقعنا وتفصلنا عنه آلاف الأميال! وأن بلبلة فكر الفرد العربي، وتشويه نظرته للأمور، وتدجين سلوكياته، هي لعبة أجاد استخدامها الإعلام العربي منذ بداية تأسيسه إلى اليوم!
 
متى نخرج من هذه الدائرة الضيقة، ونتأثر بمدرسة الإعلام الغربي التي تقوم على الشفافية والموضوعية؟ صحيح هناك قنوات فضائية غربية معينة معروفة بتوجهها الأيديولوجي وانحيازها العنصري لإسرائيل، لكن هذا لا ينفي نقاوة الإعلام الغربي في تعامله مع الخبر وتوثيقه بالصوت والصورة، بل وفي إظهار كفاءته على إسقاط حكومات وفي تغيير وقائع على أرض مجتمعه إن لزم الأمر!
 
متى نستطيع أن نقف ونرفع صوتنا ونقول بثقة، إن لدينا إعلاما حرا مستقلا قادرا على منافسة الإعلام الغربي؟! بالتأكيد لن يحدث هذا، إلا إذا غرسنا في تربة مجتمعاتنا ثقافة الشفافية، وتمسكنا بحرية التعبير، ودعونا إلى احترام آدمية الإنسان العربي على أرضه. ولن يرتقي إعلامنا إلا إذا نشر غسيله المتسخ في النور، دون أن يلحق به بطش مسؤول جائر! ودون أن يتعرّض للتهديد لاختياره طريق المواجهة! ودون أن يتم توقيف برنامج جريء بحجة تجاوز مقدمه الخطوط الحمراء! ولن يحظى إعلامنا بنظرة ثقة وتقدير من العالم أجمع، إلا إذا تشبث بحقه في إبراز الحقائق بلا رتوش! ومن دون التلويح بإقفال قناة فضائية بعينها وتقديم مالكيها للمحاكمة، كل ذنبهم أنهم كانوا مخلصين لمجتمعاتهم، رفضوا أن يتحولوا لأبواق تُربّت على كتف نظام مستبد، أو يحصرون وظيفتهم في تبييض صفحة وجه حكومة ملطخة ملامحها بهباب الفساد الأسود!!