المبدع السعودي… والرقيب المتعسّف!!

المبدع السعودي… والرقيب المتعسّف!!

المبدع السعودي… والرقيب المتعسّف!!

الأحد 15/3/2009

 
علّق أحد الزملاء متندّراً على منع الرقابة لبعض الكتب الأدبية والفكرية من التواجد بالمكتبات السعودية، وفي داخل ساحات معارض الكتب السنوية، بأنه ينصح أصدقاء وزملاء مهنة الكتابة، أن يرفقوا تصريح وزارة الأعلام مع أي كتاب يرغبون في إرساله عبر البريد لمعارفهم وقرّائهم، حتّى لا يضلَّ طريقه ويضيع وسط الزحام، أو يتعرّض لقاطع طريق يُمزّق أوصاله دون رحمة!
 
مع حلول معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام، وضعتُ يديَّ في ماء بارد رغم أنني بطبعي امرأة شكّاكة، وراهنتُ زميلي بأن معرض هذا العام سيكون مختلفاً عن سابقيه، وأن الرقيب صار أكثر مرونة، وأقلَّ حدة، في تعامله مع الإبداع السعودي، وأن كتبي ستتبختر بثقة في أروقة المعرض أمام زوّاره. لكنني للأسف تفاجأت حين علمتُ بأن أعمالي الكاملة قد تمَّ منعها هذه السنة من البيع إضافة إلى روايتي الحديثة “سيقان ملتوية”!
 
لا أدري أين الانفراج الذي يتحدّث عنه الإعلام السعودي؟! ولماذا تُهلل الصحافة السعودية لصورة لم تزل معلقة بخيط هزيل بين السماء والأرض؟! لقد خذلني تعليق وزير الثقافة والإعلام السعودي في سؤال طُرح عليه بموقع “إيلاف”، عن السبب وراء منع الرقابة لبعض الكتب من التواجد هذا العام بالمعرض! فأجاب بأن منع 90 كتاباً لسبب أو لآخر من أصل 250 ألف عنوان ليس بالشيء المهم، وأن بلاد الحرمين الشريفين لها خصوصية، ومن هذا المنطلق لا نستطيع إفساح المجال لكتب يُسيء محتواها إلى صورة السعودية!
 
حقيقة لا أعرف ماذا قصد الدكتور عبدالله خوجة بخصوصيّة المجتمع السعودي! هل غدت هناك خصوصية في زمن العولمة وثورة الاتصالات؟! هل كل ما يكتبه المبدعون في العالم بأسره يقصدون به تشويه سمعة بلادهم؟! ألا يعد النتاج الأدبي توثيقا تاريخيا مهما لكافة شعوب الأرض؟!
 
صحيح أننا قريباً في السعودية سنُلقّب ببلد المليون روائي منتزعين بذلك اللقب من بلد المليون شاعر في موريتانيا، لكنه ليس ميزة نُحسد عليها أو تدفعنا للتباهي بها، فمن المعروف أن أغلبية ما يُطرح سنويّا من كُتب تقذفها دور النشر العربية يوميّاً لشباب من الجنسين، هي كتب هزيلة في مضمونها، يعتقد أصحابها في قرارة أنفسهم بأنهم قد كتبوا روايات حقيقية، وهم في حقيقة الأمر لم يُسطّروا سوى تجارب شخصية مرَّوا بها، مكتوبة بلغة عاميّة، وأسلوب ضعيف، ومعالجة سطحية، لا تمسُّ الفن الروائي من قريب أو بعيد.
 
كما بات من الواضح أن المجتمع السعودي بأكمله قد انتقلت إليه حمّى كتابة الرواية، وفتح شهية عدد من الكتّاب المخضرمين لدخول عالم رواية بعد بلوغهم عقدهم الخامس أو تجاوزه، رغبة في تذوّق طعم الشهرة التي يحظى بها الروائيون، معتقدين بأن الخبرة الحياتيّة وجزالة اللغة كافيتان لكتابة رواية، دون أن يفقهوا بأن العمل الروائي ليس قرارا يتخذه الكاتب ما بين يوم وليلة، بل هي دراية كافية، وتمّرس شاق للعمل الإبداعي يتم تحصيله بعد سنوات طويلة.
 
أعود مرة أخرى لقرار المنع، هل الروائي وهو يكتب رواية تُسيطر عليه رغبة دفينة للتنكيل بوطنه، أو يتعمّد طعنه في خاصرته بدم بارد؟! جميعنا نعشق أوطاننا ونريد الخير لها، لكن هناك فرقا جليا بين أن أحب وطني وأتولّه في حبه، وبين أن أسعى بقلمي إلى كشف عيوبه، لكي يعيش أبناؤه مستقبلًا في أجواء نقية تحترم إنسانيتهم.
 
لقد كان للروائيين العرب فضل كبير في إلقاء الضوء على الكثير من الأمور المخجلة التي تدور في الأروقة الخلفية بمجتمعاتهم. نجيب محفوظ كان من أوائل من صوّر ايقاع المجتمع المصري بسلبياته وإيجابياته. وقد نجحت الكاتبة “مليكه أوفقير” من خلال سرد معاناتها مع أهلها في السجون المغربية في كتابها “السجينة” إلى إصلاح أوضاع المساجين في السجون المغربية على يد الملك محمد السادس. كما تحدّث الروائي “الطاهر بن جلّون” عن المشاكل التي يتعرّض لها الشباب المغربي من خلال شبكات تهريب اللاجئين غير الشرعية وموتهم على الشواطئ الأوروبية، وكان هذا واضحاً في روايته “أن ترحل”.
 
هذه نماذج لروائيين كان هدف أعمالهم نبيلا. فلماذا يا ترى تنتفي صفة حسن النية عندما يكتب المبدع السعودي؟!