المبدع العربي والعقبات القانونيّّة!!

المبدع العربي والعقبات القانونيّّة!!

المبدع العربي والعقبات القانونيّّة!!

الأحد 19/4/2009

 
لم أصدّق عينيَّ وأنا أقرأ الخبر المكتوب عن تعرّض مجدي الشافعي، مؤلف رواية “مترو”، أوّل رواية مصرية مصوّرة، للمحاكمة مع صاحب دار النشر “ملامح” التي قامت بنشرها. وكانت محكمة جنح قصر النيل بالقاهرة قد دعتهما للمثول أمامها بتهمة نشر مطبوعات مخالفة للآداب العامة، مما يُهدد كلا من المؤلف وصاحب الدار بالحبس لمدة عامين.
 
كانت عدد من المنظمات الحقوقية في مصر، قد أدانت هذه المحاكمة، مرتكزة في تبرير دفاعها على أن النقد الأدبي هو الطريق الوحيد للحكم على النص الأدبي أو الإبداعي. وأن محاكمة من هذا النوع داخل قاعة محكمة جنائية هي ضربة في مقتل لحرية التعبير والإبداع.
 
كما استهجنت في مذكرة دفاعها هذا القرار، معتبرة أنه يُظهر ازدواجية في المعايير! متسائلة.. كيف يمكن لوزارة الثقافة أن تسعى لدعم ترشيح وزير الثقافة “فاروق حسني” لمنصب مدير عام اليونسكو، وهو نفسه غير قادر على حماية المبدعين في بلده!
 
بلا شك أن هناك هجمة مسعورة في الأوساط الاجتماعية العربية للنيل من المبدعين والتشكيك في مواقفهم وتشويه سمعتهم، وهذا يعود إلى شيوع الأفكار الدينية المتطرفة، التي غزت مجتمعاتنا في العقود الأخيرة، والتي أدّت إلى تكفير عدد من المبدعين والمفكرين، مما حدا بهم إلى الخروج من أوطانهم حفظاً لأرواحهم، وسلامةً لأسرهم، والعيش في مناخ حر يُقدّر إبداعاتهم، ويُثني على إنجازاتهم.
 
لكن كيف نُبرر الهجوم والتنديد بالمبدعين، إذا جاء على يد ابن من أبنائهم؟! فقد قرأت منذ فترة وجيزة حوارا أُجري مع أحد الشعراء السعوديين الذين يشغلون موقعاً ثقافيّاً مهما. سُئل ضمن الأسئلة المطروحة عليه، إن كان يرى بأن وظيفة الفن التهذيب والإصلاح؟! فأجاب بكل ثقة: حتماً وظيفة الفن التهذيب والإصلاح. ناعتا المبدعين بصفات قاسية، لا أعرف كيف تفوه بها وهو نفسه ينتمي لهذا الوسط! فيقول عن المبدعين بأنهم مرضى نفسيون، ومنحرفون أخلاقيّاً، ومجرمون أدبيّا! ويرى بأن ما يكتبه المبدع من خلال فضحه المسكوت عنه، ما هو إلا عدوان على المجتمع، يجب أن يُحاسب مقترفه ويُعاقب قانونيّا كأي مرتكب جنحة تقع تحت طائلة القانون.
 
حقيقة لأول مرة أسمع بأن مهمة الأدب تنحصر في التهذيب والإصلاح! متجاهلا بأن الفن خُلق للحياة، بمعنى أنه عمل كتبه صاحبه بلغة أدبية راقية لتوثيق أوجه الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية، وأن دور المبدع لم ينحصر يوماً في القيام بعمليات تربوية، فتلك وظائف من اختصاص علماء النفس والاجتماع!
 
مضمون كلام هذا الشاعر تفوح منه رائحة التعصّب الفكري ونداء مبطّن بالعودة إلى عصور الظلام! وهو ما يعني ضمناً بوجوب محاكمة الأديب الروسي “تشيكوف”، الذي كتب عن المآسي التي وقعت في عهد القياصرة! وهو ما يعني بوجوب محاكمة الأديبة البريطانية “فيرجينيا وولف” على رواياتها الجريئة! وهو ما يعني بوجوب محاكمة الروائي “الطيب صالح” على رواياته التي كانت تتضمن مشاهد جنسية غاية في الجرأة! وهو ما يعني التشكيك في سلامة عقل “نجيب محفوظ”، الذي كتب أعمالا خالدة، تجاوز بها حدود المسموح! …ومثلهم الكثير.
 
المبدع الحقيقي عندما يكتب، فهو يخلق عوالم مثيرة بخياله الخصب، يستمدها من ينابيع بيئته ليدفع قارئه للتحليق مع أحداثها والتفاعل مع شخوصها. وإذا كتب النقيض المجافي للواقع، فهذا يؤكد على أنه مبدع مُزيّف، ليس له مكان في ساحة الإبداع الحقيقي.
 
كل بلدان العالم المتحضّر تحترم مبدعيها وتحتفظ بصورهم وتضع نتاجهم الإبداعي في صدور مكتباتها العريقة، وتقوم بتدريس أدبهم في مدارسها وجامعاتها إلا نحن! حيثُ تقوم مؤسساتنا الرسمية بتجاهل مبدعيها الحقيقيين عن عمد، هذا إذا لم تُطاردهم كالجرذان التي تحمل في لعابها أوبئة تستلزم دفنها وهي حيّة تحت التراب! مما يؤكد أننا شعوب لم تزل أمامها أشواط طويلة لكي تُواكب مسيرة الأمم المتحضّرة!
 
وأختتمُ بأبيات جميلة للشاعر أحمد مطر.. جسَّ الطبيب خافقي. وقال لي: هلْ ها هُنا الألم؟! قلتُ له: نعم. فشقَّ بالمشرط جيب معطفي. وأخرج القلم!! هزَّ الطبيب رأسه.. ومال وابتسم. وقال لي: ليس سوى قلم!! فقلتُ: لا يا سيدي. هذا يد.. وفم. رصاصة.. ودم. وتهمة سافرة.. تمشي بلا قدم