المرأة عليها أن تتعلّم!!

المرأة عليها أن تتعلّم!!

المرأة عليها أن تتعلّم!!

الأحد 24/5/2009

 
كان من غير الممكن أن يمر مرور الكرام، حدث نجاح أربع سيدات كويتيات في الوصول إلى مجلس الأمة الكويتي عن طريق انتخابات حرة نزيهة ومن دون تعيين وزاري أو لجوء إلى نظام “الكوتا” المتّبع في أغلبية الدول العربية.
 
هذا الحدث المفرح كان موضع النقاش في اجتماعنا الشهري، وقد علّقت واحدة من صويحباتي على الخبر قائلة بنبرة ساخرة. عقبال المرأة السعودية. طبعاً هو أشبه بحلم إبليس في الجنة! أجبتها: لماذا عبارتك ممزوجة بطعم المرارة والخيبة؟! يجب ألا تيأسي من إمكانية التغيير في المستقبل القريب. ردّت يُعجبني فيك صديقتي أنك تحملين دوماً في حقيبتك قارورة من التفاؤل، تأخذين منها رشفة كلما داهمك حسُّ التشاؤم! صديقتي المتفائلة. طالما ظلَّ رجال الدين في بلادنا يحشرون أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بشؤون المرأة السعودية، فسنظل مكانك سر. افتحي صديقتي التلفاز على قنواتنا المحلية، أو اشتري صحيفة سعودية، ستجدين النقاش الذي كان يدور في العقود الأخيرة ما زال مستمراً! وأننا لم نزل ندور في دائرة مغلقة! والله لقد بتُّ أشعر بالخجل وأنا استمع لمشايخ الدين في بلادي وهم يتحدثون عن مضار الرياضة البدنية على الفتيات، وعن الكبائر التي ستقع من جرّاء السماح للمرأة بقيادة السيارة، وعن تقبّل انخراط المرأة في سوق العمل بجانب الرجل! تخيلي صديقتي العالم وهو يُصغي لهذه التفاهات التي تخرج من هذه الأفواه، التي تدل على غلو فكر أصحابها! كأن المرأة السعودية لم تتعلّم، ولم تتثقّف، ولم تُثبت كفاءتها!
 
لم أجد ردّاً مقنعا أجيب به عليها وبلعتُ وجعي في صمت. وعادت بي الذكرى إلى زيارتي الأخيرة إلى تونس حيثُ شاركتُ في فعاليات معرض الكتاب، وكيف أتيحت لي الفرصة للجلوس مع مثقفات ومثقفين تونسيين. وقد قالت لي إحداهن: أنا حقيقة مندهشة مما يجري في بلادكم. لقد وصلت المرأة التونسية إلى المجالس البلدية منذ نصف قرن، ومجتمعكم ما زال منقسما ما بين مؤيد ومعارض لحق المرأة في المشاركة! وما زال مجتمعكم يتحدّث عن قضايا تخصُّ المرأة قد عفا عليها الزمن منذ عقود طويلة في كافة البلدان العربية!
 
سكتُّ حينها على مضض كما كانت تفعل جدّتي شهرزاد حين تصمت عن الكلام المباح تحاشياً لسيف الجلاد! وتحسّبتُ في سرّي على من كانوا السبب في جمودنا، وفي إعاقة تقدّم المرأة السعودية، بحجة حمايتها من نفسها الجامحة، وكبحاً لنواياها الشريرة، ووقاية لمجتمعها من مصائبها الفادحة!
 
وعودة إلى الخبر السار الذي أثلج قلوب النساء الخليجيات تحديداً، والذي أرسل إشارات مضيئة تؤكد على أن المجتمع الكويتي غداً مؤهلا لتقبّل مشاركة المرأة في الحياة السياسية، مما يعني ضمناًَ أن هناك ثقافة مغايرة عن السابق، رسخت في أرضه اليوم، تؤمن بكفاءة المرأة وبإمكانياتها وقدرتها على تحمّل مسؤولياتها الوطنية.
 
كنتُ بين حين وآخر، وأنا أتابع صور الأحداث العنيفة التي تقع في عدد من الدول الإسلامية وعلى الأخص باكستان، أندهش من ثقافة التناقض المغروزة فيه! ففي الوقت الذي تُعاني فيه دولة مثل باكستان من انتشار ظاهرة العنف على أراضيها، إلا أن امرأة قوية مثل “بينظير بوتو” استطاعت أن تصل إلى منصب رئاسة الوزراء. صحيح أن حياتها انتهت بطريقة مأساوية، لكن هذا لا ينفي أن المجتمع الباكستاني في جوهره يؤمن بحق المرأة في المشاركة السياسية داخل بلدها.
 
بلا شك أن هناك سما زعافا يسري في أوردة أغلبية مجتمعاتنا العربية بعدم تقبّل فكرة تولي المرأة مناصب قياديّة عليا! لكن التغيير لن يحدث كما قلتُ مراراً وتكراراً، إلا على يد المرأة نفسها، وذلك بأن تقود بنفسها حركة التغيير، وأن تُحارب المعتقدات العقيمة التي توارثتها الأجيال، وأن تُناضل من أجل إلغاء عزلها، وأنها تمتلك من الإرادة والقوة ما يُؤهلها للوصول لأعلى المناصب السياسية، وأن تحارب بضراوة خفافيش الظلام الذين في أعماقهم يخافون من تأثيرها ويصرون على تحجيمها والتشكيك في قدراتها، بل ويتمادون في غيّهم بربط مظاهر الانحلال والفسوق بمنحها حريتها، التي هي حق ملزم لكافة البشر نساءً ورجالا!
 
إن الخنوع والاستسلام لن يحل المشكلة، الحل في مواجهتها والتصدّي لها.