لغة التفاؤل بين البشر!!

لغة التفاؤل بين البشر!!

لغة التفاؤل بين البشر!!

الأحد 31/5/2009

 
في استطلاع أجرته مؤسسة “جالوب” العالمية حول نسب تفاؤل شعوب العالم تجاه مستقبلها، والذي تمَّ مؤخرا عرض نتائجه في جمعية العلوم النفسية الأميركية، أثبتت النتائج بأن أكثر الشعوب تفاؤلا حسب الدراسة هم سكّان إيرلندا والبرازيل والدانمرك ونيوزيلندا، وأن أكثرهم تشاؤماً في عالمنا العربي هو الشعب المصري!
 
الشعب المصري معروف بخفة دمه وروح الدعابة الغالبة على شخصيته، ونجد هذا واضحاً في فنونه من مسرح وسينما وفي نكاته الشائعة التي تعكس همومه الحياتيّة. لكن نتيجة الاستطلاع تعني بأن صفتي التفاؤل والتشاؤم لم تعودا من السمات التي يرثها المرء جينيّا، بل تُظهر كذلك أن هاتين السمتين صارتا مرتبطتين بنشأة الإنسان والظروف المحيطة به والمفاجآت التي تتخلل حياته. 

من وجهة نظري، أميل إلى هذه الفكرة كونها هي التي توقد في أعماقه شرارتيهما! فإما أن يصطدم المرء بحائط الانتكاسات الحياتية التي تجعله يغرق لا إراديّاً في لجج التشاؤم! وإما أن يكون محظوظاً وتُزيح من أمامه كافة العراقيل، وتجعله يسير بين الحدائق المزهرة برئتين ممتلئتين تفاؤلا.
 
مسكينة المغنية البريطانية “سوزان بويل” لقد خيُبت آمال معجبيها الذين بهرتهم بموهبة صوتها الغنائيّة وراهنوا على نجاحها، حيث فشلت في انتزاع اللقب محتلة المركز الثاني في التصفيات النهائية ببرنامج “مواهب بريطانيا”. هذه المرأة القروية العاطلة عن العمل التي أتتها الشهرة، وهي في نهاية عقدها الرابع، والتي شاهدها على موقع “اليوتيوب” أكثر من مئة مليون مشاهد، خسرت معركتها المصيرية وخسرت معها مئة ألف جنيه إسترليني مع ضياع فرصتها للغناء أمام ملكة انجلترا.
 
أحيانا كثيرة نفغر أفواهنا، ونقف عاجزين في تحديد إجابات وافية تشفي فضولنا لحل الكثير من ألغاز الحياة! ففي بعض الأوقات يكون التشاؤم أكثر نفعاً لنا ويُشكّل فائدة كبرى لمستقبلنا، وذلك حين يدفعنا إلى نفض الغبار عن ثيابنا التي علق بها من جرّاء سقوطنا على الأرض، لنعاود المحاولة مراراً وتكراراً وتقديم أفضل ما عندنا حتّى نتحرر من عقدة فشلنا. وأحيانا أخرى يكون التفاؤل جميلا، كونه يجعلنا ننظر إلى واقع أيامنا بمنظار ناصع البياض لا تتخلله بقع سوداء، فلا نُدير ظهورنا لأحلامنا ونتشبث بقناعة تامة بها إلى أن نجدها حقيقة ماثلة بين أيدينا!
 
من ضمن نتائج الاستطلاع التي أعلنتها مؤسسة “جالوب”، بأن النساء أكثر تفاؤلا من الرجال، على الرغم من أن الرجال منذ أن يفتحوا عيونهم على الدنيا يملكون زمام الكثير من الأمور في عالم السياسة والاقتصاد، وبيدهم الحل والربط في أغلبية أوجه الحياة الاجتماعية! وقد أرجعتُ في نفسي ارتفاع نسبة التفاؤل لدى النساء عن الرجال، على أساس أن المرأة تمتلك إرادة حديدية لكي تصل لمرادها، وهذا بالطبع ناتج عن التاريخ الطويل الذي عانت فيه المرأة من استعباد الرجل لها حتّى طفح بها الكيل وقررت التسلّح بعزيمة التفاؤل لكي تنتزع حقوقها وتُلجم سطوة الرجل، وتقول له: لقد آن الأوان لأن استردّ حقوقي واستقلَّ بذاتي وأتباهى بقدراتي!
 
تضاؤل نسبة التفاؤل لدى الرجال مقارنة بالنساء، يعود من وجهة نظري إلى المفهوم السائد بأن المرأة مهما أظهرت من ضعف حيلة إلا أنها بكيدها النسائي تصل لمرادها، مستغلة تعاطف المؤسسات الحقوقية معها لكي تكيل للرجل بمكيالين! وهذا بالطبع ذريعة الرجال، الذين يُعارضون شيء اسمه حقوق المرأة. ويرون بأنها أكثر مخلوق على وجه الأرض نهب حقوق الرجل واحتلَّ مواقعه!
 
الحياة على الرغم من القلاقل السياسية، والحروب التي تندلع هنا وهناك، والتلوث البيئي الذي أصاب الكرة الأرضية، والذي يُنبّئ بكوارث مدمرة، والأوبئة الغريبة التي يتم الإعلان عنها كل يوم حاصدة حياة آلاف البشر، والانحدار الأخلاقي بين الأفراد داخل المجتمعات، والتفكك الأسري الناتج عن إيقاع العصر السريع الذي أذاب الحميميّة والعلاقات الدافئة وسُحقت فيه آدمية الإنسان، ورواج لغة المصالح والمنافع الشخصية بين الناس، إلا أن الحياة جميلة بالرغم من كل هذه المظاهر المأساوية، وجمالها يكمن في الأمل الذي يزرعه الله في قلوب البشر، لكي يصمدوا ويكملوا طريقهم وينظروا لشروق الشمس بتفاؤل حتّى وإن فاجأهم الفجر ذات يوم بتسلله إلى مخادعهم محمّلا بالغيوم القاتمة!!