عُقدة الإعلامي المتميّز!!

عُقدة الإعلامي المتميّز!!

عُقدة الإعلامي المتميّز!!

الأحد 7/6/2009

 
كثير من الإعلاميين الذين يُقدمون برامج حواريّة، التنافس بينهم حامي الوطيس، حيث يسعى كل منهم إلى تحقيق أكبر نسبة من المشاهدين. وهذه النوعية من البرامج أنجحها تلك التي تندرج تحت مسمى “التووك شو”، من خلال التواصل المباشر مع جمهور الحاضرين، وفتح الباب لمناقشة قضايا تهم الرأي العام.
 
في عالمنا العربي قلة من هذه الحوارات على الرغم من انتشارها على شاشات التلفزيونات العربية، تُحرز نجاحاً منقطع النظير في الشارع العربي! وهذا يرجع إلى أن مجتمعاتنا العربية القائمة على معايير الازدواجيّة في كافة أوجه الحياة، تجعل الفرد العربي بطبعه يجفل من الجهر بآرائه لاعتبارات اجتماعية كثيرة، مع إمكانية تعرضه للأذى الجسدي والمعنوي إن نقد حكومة بلاده أو تحدّث بسلبية عن سياستها!
 
إن البرنامج الحواري الناجح لا يقتصر على محاور وضيف ومُعد وكاميرا يقف خلفها مخرج متمكّن، وإنما هناك عناصر عديدة مرتبطة ببعضها لتحقيق نجاح متميّز. من أهمها أن يكون للمحاور حضور طاغ أمام الكاميرا، وتمتّعه بثقافة واسعة حتّى يستطيع استخراج جوانب خفيّة في حياة الضيف، ما زالت تربض في إحدى زوايا فكره.
 
من البرامج العالمية الناجحة التي يحرص الكثير من الناس على متابعتها برنامج “أوبرا وينفري”، وهو ما شجّع بعض القنوات العربية للحصول على امتياز حق بثها وترجمتها إلى اللغة العربية. هذا النجاح الساحق الذي حققته هذه الإعلامية المتميّزة، خلق عقدة داخل كل إعلامية عربية! فنجد أن بعض الإعلاميات العربيات يتعمّدن تسمية برامجهن بأسمائهن في تقليد أعمى لها! ويُرددن طوال الوقت بأنهن قادرات على بلوغ المكانة التي وصلت إليها هذه المرأة الذائعة الصيت، بل ووصل الغرور ببعضهن إلى تشبيه أنفسهن بها، وهو في رأيي حلم أشبه بالمستحيل في أوساطنا الإعلامية العربية.
 
قصة نجاح هذه المرأة الآتية من قاع المجتمع الأميركي حيث تنتشر البطالة والمخدرات والدعارة، والتي تنتمي لأسرة معدمة تعود لأصول أفريقية سوداء، ولا تحظى بقدر وافر من الجمال، كسرت الشروط المألوفة والمتبعة لمرور المرأة إلى عالم الإعلام، وحفرت طريقها بصبر وعناد إلى أن وصلت إلى أعلى قمة النجاح.
 
نجاح هذه المرأة يعود من وجهة نظري إلى عوامل كثيرة، يرتبط بداية بحضورها المذهل أمام الكاميرا، وعلى ثقافتها الواسعة، وصفة العطاء المقترنة بشخصيتها، حيث سخرّت قدراتها الذاتية وإمكانياتها الإعلامية في إلقاء الضوء على الكثير من السلبيات الحاصلة داخل المجتمع الأميركي، بجانب حرصها الدائم على مناقشة قضايا مهمة تشغل الرأي العام الأميركي. ومساندتها لقضايا المرأة في كل مكان. وفي مرحلة لاحقة بعد أن توسعت إمبراطوريتها الإعلامية قدّمت دعماً سخياً للعديد من المؤسسات الخيرية، وكانت الجندي المجهول في تمويل عدد من البرامج الأميركية المتنوعة الناجحة.
 
كما لا يجب إغفال دور فريق العمل الذي يعمل معها، والذي يتمتّع بكفاءة عالية، حيث يقوم بتحضير العمل على أعلى المستويات. إضافة إلى استغلالها لمناخ الديمقراطية السائد وحق المواطن في التعبير عن آرائه، الذي يكفله له الدستور الأميركي، لعرض كافة الأوراق على الطاولة، مُعطية ضيفها الحق في نقد سياسات أميركا أمام الملأ دون أن يهتزَّ له رمش، أو يحسَّ بالخوف من أن يطاله بطش مسؤول، أو أن يتعرّض للأذى من قبل أنظمة بلاده!
 
هذه العوامل مجتمعة من الأسباب الرئيسية المؤدية لنجاح برامج “التووك شو” في الدول المتحضرة، وهي نفسها من أسباب ندرة نجاح مثل هذه البرامج في إعلامنا العربي!
 
وعلى الرغم من الانفراج الطفيف الذي لاح في الأفق مؤخراً في القنوات الإعلامية العربية، فإن الإعلامي العربي المتميّز لم يزل يُمثّل غصة في حلق حكومة بلاده، تقوم بقص ريشه ونهش جسده بلا رحمة، إذا كان من الذين يحملون أرواحهم على أيديهم لفضح السلبيات المتواجدة، أو يُبدّي مصلحة قومه على مصلحته الخاصة، مما يدفعها إلى حجب صورته عن الجميع لكي يُصبح عبرة لغيره وحتّى يُتقن الجميع لغة الترقيع في حق نظامها من ألفه إلى يائه!
 
لذا لا تحلموا أن يخرج من قومنا يوما لا “أوبرا وينفري” ولا المحاور اللامع “لاري كينج”!