هزيمة تصفع… ونصر يرفع!!

هزيمة تصفع… ونصر يرفع!!

هزيمة تصفع… ونصر يرفع!!

الأحد 28/6/2009

 
كان الأداء الباهت الذي قدمه المنتخب المصري أمام نظيره الأميركي في ختام مباريات الجولة الأولى الخاصة ببطولة كأس القارات المقام في جنوب أفريقيا، قد تحوّل إلى قضية رأي عام في الشارع المصري. ويعود هذا اللغط إلى أن هناك أسبابا واضحة أدّت إلى تضييع الفريق المصري على نفسه الفرصة في الصعود إلى التصفيات النهائية.
 
الجماهير الغفيرة التي خرجت إلى الشوارع مُعبرة عن سخطها وحنقها، لم تكن محصورة في النتيجة المؤسفة! وإنما يرجع إلى صدمتها في منتخبها الذي حقق مؤخرا نصرا مُشرّفا أمام الفريق الإيطالي الحائز على كأس العالم بالعام الماضي، وتراجع مستوى أدائه أمام المنتخب الأميركي المعروف بقلة خبرة لاعبيه في مجال كرة القدم.
 
زاد الطين بلة كما يقولون، إثارة أحد الإعلاميين عبر برنامجه الذي يُبثُّ على الهواء مباشرة، بأن هناك تقارير صحفية نقلتها وسائل الإعلام بجنوب أفريقيا تُثبت تورّط خمسة من لاعبي المنتخب في فضيحة أخلاقية، وهو ما أدّى تباعا إلى هزيمة المنتخب في تلك المباراة!
 
قلتُ في مقالات سابقة أنني لستُ من هواة متابعة لعبة كرة القدم ولا من مشجعيها، ولكن ما جرى في الشارع المصري من سجالات وتراشق اتهامات من فئات مختلفة، ودخول عدد من الفنانين على الخط بتعليقهم على هذه الفضيحة، جعلني أتساءل مندهشة إن كان من حق الناس أن يُحاكموا أبطالهم بهذه القسوة إن هم أخطأوا، ويصفقوا لهم إن هم منحوهم نياشين النصر؟!
 
بلا شك في كل شبر من العالم، هناك هزائم تصفع وجوه أصحابها وإن كانوا يُعلقون على صدورهم العديد من ميداليات النصر! فالناس بطبعها تنسى النجاحات سريعاً وتتصيّد سقطات مشاهيرها وترفض بشدة أن تغفر لهم زلاتهم وإن كانت ضئيلة الشأن!
 
لا أدري كيف انساق هذا الإعلامي في تصعيد حادثة الفضيحة الأخلاقية على الهواء مباشرة دون أن يُفكر في عاقبة ذلك على أسرة كل لاعب! فلا تُوجد زوجة ستتقبّل بطيب خاطر سماع صيغة اتهام تُشكّك في إخلاص زوجها لها! ولا يُوجد أبناء سيتقبلون هذه التهم الأخلاقية في حق آبائهم ثم يرتمون بشوق في أحضانهم! 

كل مشاهير العالم يصنعهم معجبوهم في بلدانهم، لكن لاعبي كرة القدم هم أكثرهم حضوراً وتواجداً في وسائل الإعلام، وهذا ما يجعل ردود الأفعال تجاه أخبار انتصاراتهم أو هزيمتهم تتصدّر العناوين الأولى. ووكالات الأنباء تنقل دوماً أخبارا عن أبرياء يسقطون صرعى في مدرجات الملاعب نتيجة انحيازهم لفريقهم أو منتخبهم، ويعتبر الإنجليز على الرغم من برودهم المعروف عنهم من أكثر الشعوب عنفاً في التعبير عن تعصّبهم للاعبيهم.
 
عودة إلى الفريق المصري. لماذا لم يغفر الشارع المصري لمنتخبه هزيمته، وهو الذي قاد بلاده العام الماضي إلى نصر مشرف بانتزاعه كأس أفريقيا عن جدارة؟! لماذا لم يُراعوا الناس بأن اللعب المتكرر والسفر المتواصل ربما أجهد فريقهم؟! لماذا لم يقولوا بأن استهانة المنتخب المصري بنظيره الأميركي كانت سبباً مباشراً لهذه الهزيمة، فكم من هزائم وقعت في أرجاء مختلفة من العالم بسبب استخفاف الإنسان بعدوه أو منافسه! لماذا لا يكون الغرور الذي يُصيب الإنسان بعد نجاحه في دحر منافسه القوي، عاملا مباشراً في سقوطه، خاصة وأن الغرور كثيراً ما يعمي الإنسان عن رؤية حقيقة ما حوله؟!
 
نحن حقيقة شعوب متطرفة في مشاعرها، إن أحبت فهي تحب بعنف! وإن كرهت فهي تكره بعنف كذلك! وإن أرادت أن تنتقم فهي لا تعرف الرحمة، مُصرة على تطبيق شريعتها الخاصة، مستخدمة كل أنواع القسوة لتشفي غليلها وتُطفئ غضبها! شعوب تعوّدت في كل أمور حياتها أن ترد الصاع صاعين إن أحسّت بأن كرامتها أهينت أو تمَّ التلاعب بمشاعرها! لا تُوجد لدى الشعوب العربية منطقة وسطى ما بين الجنة والنار كما يقول شاعرنا الكبير نزار قباني.
 
يجب أن ننشئ ثقافة جديدة في مجتمعاتنا، تقوم على الحوار العقلاني واستخدام منطق العقل لا العاطفة في تحليل الأمور مهما كانت فداحة ما نتلقاه في طريقنا. العاطفة جميلة ونحتاجها لإنعاش أرواحنا لكن العقل أيضا هو سلاحنا الآمن للخروج من مآزقنا الحياتيّة.