تراثنا بين العقل والخرافة!!

تراثنا بين العقل والخرافة!!

تراثنا بين العقل والخرافة!!

الأحد 19/7/2009

 
هل مجتمعاتنا العربية في عصرنا الحالي مؤهلة لاحترام سطوة العقل ومقاومة موجة الفتاوى التي تدفع بها يوماً بعد يوم نحو عالم من الخنوع والاستسلام الطوعي؟! هل الفرد العربي قادر على تجاوز هذا المناخ المتطرف، الذي يُلاحقه من كل حدب وصوب، ومقاومته بمنطق المعرفة والعلم؟! هل الإنسان العربي قادر على مواجهة إعصار التخلّف، أم أن الوقت لم يحن بعد لخروجه من هذه الدائرة المطبقة عليه من كافة الاتجاهات؟!
 
بلا شك ان تاريخنا الإسلامي يحفل بأسماء فذّة سبقت عصرها، كان لها أدوار عظيمة في تطوير الحضارة الإنسانية. هؤلاء المفكرين والعلماء دفعوا حينها أثماناً باهظة حتّى ترسخ أفكارهم داخل مجتمعاتهم، كتعرضهم للسجن وحرق كتبهم في ميادين عامة، ليصبحوا عبرة لكل من يفكّر في الخروج عن الفكر السائد في مجتمعه.
 
من المفكرين الذين سبقوا عصرهم، المفكر العربي “ابن رشد”، الذي ساهمت أفكاره المستنيرة في إخراج أوروبا من عصور الظلام إلى عصر النهضة. وهذا ليس تعصباً لتراثنا ولكنها حقيقة ملموسة يقرُّ بها المستشرقون الغربيون المشهود لهم بالنزاهة والصدق.
 
الكاتبة والناقدة العربية “فريدة النقاش” في مقال لها يحمل عنوان “ابن رشد… الفيلسوف الذي أهملناه”، طالبت بوجوب إحياء ذكرى هذا الفيلسوف العظيم. وهي لا تُنادي بذلك كما تعودنا في محافلنا العربية بتعديد مناقب من رحلوا عن دنيانا كنوع من رد الجميل، وإنما تُطالب بتفعيل إنجازاته التي تقوم على تمجيد العقل في تسيير أمور الحياة. وإخراج أفكاره من سجن النخبوية التي عاشت فيها طويلاً بغرسها في عقلية المجتمعات العربية على مختلف طبقاتها، والتي صار يُُسيّرها مجموعة من الدعاة والمشايخ، وهو ما ساهم مع مرور الوقت في شل حركة الفرد العربي، وبرمجة تصرفاته، والاستخفاف بقيمة عقله في فتح آفاق المعرفة على مصراعيها أمامه!
 
تتحسر السيدة “فريدة النقاش” على النتاج الفكري الذي خلّفه ابن رشد، والذي لم يرتقِ إلى مرحلة التطبيق في عالمنا العربي، في الوقت الذي تحرص فيه العديد من الجامعات الأوروبية والآسيوية والأميركية على الاحتفال بذكراه لإدانتها له بالفضل في انطلاق أوروبا من العصور الوسطى إلى عصر النهضة، بسبب أفكاره التنويرية القائمة على تعزيز مكانة العقل، وهو ما أدّى وقتها إلى تعرّض الكثير ممن تبنوا أفكاره إلى القتل، حيثُ كان يُطلق عليهم حينها بالرُشديين.
 
إن المفكرين العرب من أمثال ابن رشد، كان لأفكارهم المستنيرة في العصور الإسلامية الزاهية، دور في تطوير المجتمعات العربية والإسلامية. لكن على الجانب الآخر ما نراه اليوم من انحطاط اجتماعي، وتطرّف فكري، وتقهقر للحريات العامة، يعود إلى مفكرين وعلماء دين ساهموا على مدار العصور بأفكارهم المسمومة في خلق مجتمعات مهزوزة، تُمارس الازدواجية في تصرفاتها، تُظهر عكس ما تبطن، على الرغم من مظاهر الزمن الحالي القائمة على المعرفة واحترام العقل ونبذ الخرافة والجهل.
 
في هذا يقول المفكر العربي “علي الوردي” في كتابه “وعّاظ السلاطين”، إن أغلبية المفكرين العرب حلّقوا في سماء الوعظ كثيراً، وأنهم لم يُقرّبوا أسلوب وعظهم من الواقع الذي يعيشه الناس على الأرض. ولهذا السبب، أضحت هناك فجوة واسعة بين واقعية الحياة ومثالية الفكر بين الأفراد داخل مجتمعاتنا العربية؟!
 
كلام الوردي فيه جانب كبير من الصحة، لكنني أضيف أن أكبر مصائبنا تكمن في أن مجتمعاتنا العربية ترفض النبش في تاريخها، أو غربلته! وتصرُّ على تقديسه والتشرّب من أفكاره بتلذذ، ولو كان مشكوكاً في صحة بعضه!
 
ما نُعاني منه اليوم، من تدجين للشخصية العربية والإسلامية، ما هو إلا نتيجة حتمية لإغفال قيمة العقل، والمناداة بخنوعه التام دون قيد أو شرط لقائمة من فتاوى الحلال والحرام! لذا نحن بحاجة في هذا الزمن إلى مفكرين من أمثال ابن رشد، لإنقاذ مجتمعاتنا من هذه الموجة العاتية التي تأخذ في طريقها كل من يتحداها أو يقف في وجهها. وأن تهتم مؤسساتنا التعليمية بغرس نتاج مفكرينا المستنيرين من أمثال ابن رشد وغيره في فكر الأجيال الجديدة، وتعريفها بمفكريها وعظمائها الذين ساهموا في صنع الحضارة الإنسانية. نحن حقيقة بحاجة اليوم إلى إنعاش العقل ليعود للحياة من جديد!