عُقدة الأندلس!

عُقدة الأندلس!

عُقدة الأندلس!

الأحد 6/12/2009

 
عندما تحضر سيرة الأندلس أمام أي مسلم أو عربي، تجد مسحة من الحزن تعلو وجهه، وتخرج زفرات حارة من أعماقه مُعبّراً عن حسرته لضياع أرض الأندلس.

 

ردود الأفعال العفوية انتابتني أنا أيضاً يوم تجوّلتُ في ساحات قصر الحمراء بغرناطة حين زرتُ إسبانيا. أيقنتُ حينها بأننا كشعوب عربية ومسلمة نحمل عقدة ضياع الأندلس، خاصة وأن تراثنا الأدبي مرتبط بما أفرزته تلك الحقبة من روائع أدبية سامقة.
 
أتذكّر أنني عندما كتبتُ روايتي “لم أعد أبكي”، أشرت في الفصل الأخير منها لقصر الحمراء، الذي بالتأكيد يحرص كل عربي عند زيارته لإسبانيا، أن يعرج نحوه ليتأمّل روعة بنائه، رافعاً حاجبيه انبهاراً من التقدّم العمراني، الذي وصل إليه العرب والمسلمون.
 
في واحدة من أسفاري، صادف أن جلست بجانبي في الطائرة امرأة إسبانية، وقد أشرتُ في حديثي لقصر الحمراء في نبرة تباه، وأنه جزء من الحضارة الإسلامية التي كان لها الفضل في نهضة أوروبا لاحقاً. أجابتني بكل بساطة إنها لم تزر قصر الحمراء، ولا تُفكّر في زيارته، وإنه من وجهة نظرها لا يعني لها شيئاً!
 
شعرتُ بالغيظ من رأيها، كأنها صفعتني على وجهي وأهانت تاريخي! وربما لاحظت ملامحي التي تجهّمت فجأة، فقالت لي باسمة… هذه ليست المرة الأولى التي أقابل فيها عربيا يُحدّثني عن قصر الحمراء، ولكننا نحن أيضاً نعتزُّ بتاريخنا. لقد نجح أجدادنا في استرداد أرضنا التي قمتم باحتلالها ما يُقارب الثمانية قرون. لا تُحدثيني عن سحنتي العربية، وأن أجدادي كانت أصولهم من الجزيرة العربية أو مصر أو المغرب أو تونس! المهم أننا استرددنا أرضنا، وأن إسبانيا اليوم هي قطعة من أوروبا الحديثة.
 
غابت هذه الواقعة عن بالي ثم عادت إلى سطح أفكاري، وأنا أقرأ خبر قيام الشرطة الإسبانية منذ فترة، باعتقال جندي إسباني وفتاة روسيّة في مدينة غرناطة، بعد تورطهما في عرض أشرطة فيديو على شبكة الإنترنت، يهدفان من خلالها الترويج لأفكار إسلامية متطرفة، تدعو إلى الجهاد من أجل استعادة أرض الأندلس وشن هجمات على إسبانيا!
 
لا أعرف حقيقة ما سرُّ تباكينا على ملك لم يكن يوماً من حقنا! الغريب أننا غزونا أرض الأندلس من أجل نشر الإسلام، وخرجنا منها ولا يُوجد على أرضها إسباني واحد يعتنق الدين الإسلامي! ألا يدعونا هذا إلى إعادة تفنيد تاريخنا؟! ليس من أجل التفاخر والبكاء على اللبن المسكوب، ولكن من أجل الاستفادة من أخطائنا التي ارتكبها أجدادنا الذين لم يكونوا معصومين من الأخطاء بالتأكيد!
 
إن هناك الكثير من المسلسلات التاريخية، لاقت نجاحاً لدى المشاهدين في السنوات الأخيرة، وكان من أهمها مسلسل “سقوط غرناطة”، لكن لم تتطّرق في أحداثها إلى الأسباب الجوهرية التي أدّت إلى هزيمتنا هذه الهزيمة الساحقة بعد كل العز والمجد الذي عاش فيه أسلافنا!
 
لا يكفي أن نُعلّم أبناءنا في المدارس أنه كانت لنا حضارة عظيمة في أرض بعيدة تُسمى أرض الأندلس! ولا يكفي أن يحفظ أبناؤنا الأشعار الأندلسية ويتغنّى بها فنانونا في الأمسيات القمرية! يجب أن نكون واقعيين نمتلك الجرأة والوضوح والصراحة، لكي ننبّش في هذا التاريخ، حتّى تلمس الأجيال الصاعدة بيدها أين كان موقع الخطأ، وأين تربض السقطات!