أوباما… الحلم المنتظر

أوباما… الحلم المنتظر

أوباما… الحلم المنتظر

الأحد 1/2/2009

 
كثير من الناس في عالمنا العربي والإسلامي ناموا قريري العين ليلة نجاح “باراك أوباما” في الانتخابات، كأنه سيعيد للعروبة أوج ازدهارها من جديد. أو كأنه سيساعد الأمتين العربية والإسلامية على تجاوز محناتهما وقطف ثمار العزة والكرامة التي أهدرها سلفه بوش بتهوره!
 
في قارة أفريقيا السوداء، كان الناس أكثر ابتهاجاً، فرقص الشباب في الطرقات، وهللت النسوة في الشرفات، كون هذا الشاب الأسود الذي جاء محملا بإرث تاريخيّ شديد المأساوية، قد أعاد الاعتبار لأجداده الذين اقتيدوا إلى أوروبا وأميركا منذ عدة قرون ليصيروا عبيداً مسخرين لخدمة الرجل الأبيض، وعُوملوا بوحشية وقسوة، وعاشوا محرومون من حقهم الطبيعي في حياة كريمة.
 
جاء هذا الرجل ليقول لهم هاأنذا، بالرغم من اسم أبيه الذي يحمل دلالة إسلامية صريحة، وفي زمن أصبح الإسلام مرتبطا بظاهرة الإرهاب التي غدت مبعث فزع للغرب خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. جاء يسير بخطوات واثقة وبرأس مرفوع على الرغم من أنه يحمل هويته على جلده، إلا أنه استطاع تولي أعلى منصب لأقوى دولة في العالم، متعهداً بإحياء ذكرى المناضل الأميركي الأسود “مارتن لوثر كينج”، الرجل الذي قُتل غدراً، وهو يُجاهد من أجل انتزاع حقوق الرجل الأسود من براثن الرجل الأبيض.
 
أعجبتني كلمة قالها أحد السود البسطاء في تعليقه على فوز “باراك أوباما” في الحكم، بأنه يستطيع اليوم أن يؤكد لابنه بأن لا عوائق اليوم أمامه للوصول لأعلى مراتب النجاح، وأن عقدة لونه لم يعد لها وجود في وطنه. نجاح ساحق جعل كافة الأميركان السود يحتفلون بانحسار عنصرية اللون عن أرضهم، والقول أهلاً بزمن المساواة والعدالة.
 
لفت انتباهي في خطاب “باراك أوباما” الذي ألقاه في حفل تنصيبه، العبارة التي وجهها للعالم الإسلامي، بأن أميركا في عهده ستسعى إلى بناء طريق جديد يقوم على المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل. والعبارة الأخرى التي وجهها إلى قادة العالم بأن فيهم من يحاول نشر بذور الصراع، ويسعى إلى إشعال فتيلة الغضب في شعوبهم، بإلقاء اللوم على الغرب، وأنه السبب في كل ما يُصيبهم من أوجاع ويلحق بهم من ويلات. مُذكّرا إياهم بأن شعوبهم ستحكم عليهم بقدر ما يبنون وليس بقدر ما يُدمرون.
 
رسالتان جميلتان في مضمونهما. ليت المتطرفين الذين يُصرون على تشويه صورتنا أمام العالم أجمع أن يُعيدوا النظر في كل ما يقومون به من أعمال إرهابية بحجة حماية الإسلام والمسلمين! ليتهم يُراجعون أنفسهم ويُدركون بأن العالمين العربي والإسلامي تضرر كثيراً من جراء أفعالهم التخريبية، وأن الأسر التي تعيش في المنافي أصبحت تدفع أثماناً مضاعفة لكي تعيش في سلام، وتُحاول أن تُثبت كل يوم للمجتمعات التي تعيش في وسطها أنها تؤمن بثقافة الاختلاف وأن الإسلام الحقيقي بريء من كل ما يحدثُ باسمه!
 
ليت طغاة العالم الذين يحكمون شعوبهم بالنار الحديد، أن يتمعّنوا في كلمات “أوباما” ويقتنعوا بأن المصائب التي تقع على رؤوس أوطانهم تعود إلى أفعالهم غير المسؤولة، ولحرصهم على التمسّك بكراسيهم ولو على حساب مصالح شعوبهم. وأن البطانة السيئة التي يحيطون بها أنفسهم ساهمت في تفشي كل أنواع الفساد التي التهمت الأخضر واليابس، ولم تترك ولو وجبة صغيرة تقتات عليها الأجيال القادمة!
 
بالتأكيد “باراك أوباما” لن يسعى إلى خلق فوضى عارمة في العالم العربي كسلفه بوش، لكنني أيضاً لا أعوّل عليه كثيراً في حل قضايانا بالغة التعقيد، كونه من جهة لا يملك عصا موسى السحرية، ومن جهة أخرى أميركا دولة تهمها مصالحها في الدرجة الأولى، وهو ما يضعه كل رئيس أميركي نصب عينيه، وما نفتقده كذلك في عالمنا العربي حيثُ يتولى الحاكم زمام الأمور من الألف إلى الياء دون الرجوع للمؤسسة التشريعية في بلاده، أو التفكير بإجراء استفتاء شعبي حقيقي على قراراته!
 
طريقنا ما زال طويلاً، لكن الومضات التي نراها تنبعث من هنا وهناك، تجعلنا نُدرك بأن التغيير ممكن أن يحدث إذا عزمنا النية. وأن الحلم في أن تُصبح أوطاننا جناناً ليس مستحيلاً، لكنه لن يتحقق إلا باحترام آدمية الإنسان على أرضنا، وعبر نضال قائم على حب حقيقي لأوطاننا.