كم أحبُّ الورد الأحمر!!

كم أحبُّ الورد الأحمر!!

كم أحبُّ الورد الأحمر!!

الأحد 8/2/2009

 
كلها أيام ويطل علينا عيد الحب “فالنتاين” الذي ينتظره كافة عشاق العالم. وستتزيّن المقاهي باللون الأحمر، وستزدحم محلات بيع الزهور بأناس من مختلف الأعمار، للتسابق على شراء الورد الأحمر ليقدمونه لأحبائهم، معبرين من خلاله عن مكانتهم الكبيرة في قلوبهم.
 
جميل أن يحس المرء بأن في هذه الدنيا الشاسعة إنسانا يفكر فيه، ويتمنى قربه، ويتطلع إلى كسب وده ونيل رضاه. فالشعور بالحب يُبدد السحب القاتمة في حياة الإنسان، ويجعل أيامه كلها تفوح منها رائحة السعادة.
 
لكن أجمل أنواع الحب ذلك الذي يشيع بين الناس دون أن يرتبط بمصلحة أو غاية ما، خاصة في هذا العصر ذي الإيقاع السريع، الذي التهم عقول البشر، وهتك عرض المشاعر دون رحمة، وجعل الكل ملهيا في هموم نفسه، لا يجد الفرصة ليعبّر عن مشاعره لمن يحب، أو يقول له كم وجوده في حياته له معنى وطعم.
 
دوماً أردد بأن الحب لا يحتاج إلى مناسبة خاصة لكي نُظهر مشاعرنا تجاه من نحب، كون الحب يفرض نفسه من خلال كلمة صادقة، أو موقف مخلص، أو نظرة حالمة، أو احتواء حقيقي! وأتذكّر أنني قرأت مرة حوارا مع رجل سألوه عن رأيه الشخصي في عيد الحب! فأجاب بأنه يُقدّر هذا العيد، وأنه قام بزرعه في كل ركن داخل بيته، وأن تمسكه بهذا الاعتقاد هو الذي جعل زواجه يصمد على مدى ثلاثين عاماً. قال.. لم ارتبط بزوجتي بعد قصة حب ملتهبة، بل تزوجتها زواجاً عقلانيّاً، تخللته طوال تلك الأعوام الكثير من العقبات، ودهكت كلينا مسؤوليات الحياة، مع هذا لم انقطع يوماً في التعبير لها عن مدى حبي لها. وفي صبيحة كل يوم كنتُ أضع بجانبها على السرير وردة حمراء مرفقة بورقة صغيرة أسطّر فيها “كل يوم يمر أحبك أكثر”. استطعت بهذه الكلمات البسيطة التي تحمل معاني جميلة أن أبدد سحب الروتين والقلاقل التي تعصف بعلاقتنا بين الفينة والأخرى.
 
هل يحتاج الإنسان إلى دروس في الحب بين الفينة والأخرى؟! هل علينا أن نجدد شرايين مشاعرنا بين حين وآخر بضخها بدماء جديدة؟! هل يجب على المرء أن لا ينساق كُليّا خلف أمانيه وطموحاته على حساب وقت ممتع يقضيه مع أحبائه؟! هل التمسك بالرومانسية في هذا الزمن القاسي فيه شيء من السذاجة وضيق النظر، كون الساعة أصبح لها ثمن باهظ في عالم اليوم؟! كم سيكلفنا شراء وردة يانعة نُبهج بها قلب من نحب؟! ألا تملك وردة ذات لون أحمر نُقدمها لمن نحب، على تحريك بحيرة المشاعر الراكدة التي جمّدتها مسؤوليات الحياة؟! 

في بلد مثل السعودية، ومع حلول عيد الحب، تنشط هيئة الأمر بالمعروف ، و تقوم بمداهمة محلات الزهور للقبض على آلاف الورود الحمراء وسحقها دون رحمة بالأقدام، بحجة القضاء على هذا العيد، معتبرة فكرة إحيائه بدعة، وأنه في مضمونه مؤامرة على الإسلام تهدف إلى تشويه أخلاقيات الأجيال القادمة! وهناك أمثلة كثيرة في العديد من دول العالم الإسلامي لهذا التفكير المتطرّف، قرر أصحابها إعلان الحرب على هذا العيد والقضاء على جيوشه الجرارة المكونة من الورود الحمراء!
 
أن يُقدّم الإنسان وردة لأحبابه قاصداً بها إدخال السرور إلى قلوبهم، فهذا في حد ذاته أمر جميل. ولا أدري أين الخلل في جعل هذا اليوم رمزاً للحب، وإحياء للعلاقات الإنسانية الحقيقية التي غدت نادرة في زماننا! ولا أعرف لمَ كل هذا العداء للحب وهو المحور الأساسي الذي تقوم عليه حياتنا؟!
 
إننا نحتاج بين حين وآخر إلى تجميد عقولنا والإصغاء لنداء قلوبنا، ووردة أياً كان لونها كفيلة بإصلاح الإعطاب التي أصابت مشاعرنا، وعلى وصل ما انقطع مع أحبائنا.
 
تعوّد أن تفتح “نوتة” هواتفك في عيد الحب، انظر إلى الأسماء الكثيرة المدونة فيها، عد بذاكرتك إلى الوراء، وأسأل نفسك هل هناك من تسببت في حدوث جرح عميق له وترك ندبة في قلبه! ابعث له بباقة ورد أو رسالة اعتذار تقول له فيها… “تذكرتك في عيد الحب. تأكد بأنني لم أقصد يوماً الإساءة إليك”. لنجعل هذا اليوم تصفية حسابات لمشاعرنا.