المثقف ممنوع من الدخول!

المثقف ممنوع من الدخول!

المثقف ممنوع من الدخول!

الأحد 3/1/2010

 
كان مشهدا هزليّاً بامتياز… مفكر جامعي يتمُّ إرجاعه من حيث أتى! والسبب بسيط كونه يحمل أفكاراً تنويريّة جاهزة للانفجار في أي لحظة! والخوف من أن يُحدث انفجارها دويّاً هائلاً، فيؤذي سمع العقول المتحجرة التي توغّلت في مجتمعاتنا العربية، والتي من سماتها الرئيسية الانغلاق على ذاتها، ورفض الحوار مع الآخر.
 
وضع المفكر العربي في سلة واحدة مع من يُطلق عليه لقب الإرهابي يطرح الكثير من التساؤلات. وما جرى للمفكر المصري الدكتور نصر حامد أبوزيد في مطار الكويت يُثير بالفعل الدهشة والاستغراب، ويضع المثقف العربي في موقف لا يُحسد عليه! فهل أصبح المفكرون المستنيرون وأصحاب الأطروحات الجريئة، مثل المرضى المصابين بأمراض خطيرة يجب عزلهم ومُحاصرتهم كي لا يتسبب الاقتراب منهم في انتقال العدوى إلى عامة الناس ووقوع وباء خطير مؤديّا إلى هلاك بشري!

 

على قدر علمي، من الواجب مُطاردة المتطرفين الذين يحشون أجسادهم بمواد متفجرة من أجل حماية أرواح الناس. ومن الواجب مُحاصرة المتطرفين حتّى لا تؤدي أفكارهم إلى تزايد العنف داخل مجتمعاتنا، ولكنني لأول مرة أسمع عن وجوب منع مثقف من الدخول لأرض عربية بحجة أنه يحمل في حقيبته أفكاراً مسمومة.
 
ما يجري يُحرّك الريبة، فهل يُعقل أن يتعرّض مفكر عربي في قامة الدكتور نصر أبو زيد لهذا الكم من الظلم؟! بداية الأمر عدّته الجماعات الإسلامية في مصر مرتدّا وتمَّ تفريقه عن زوجته مما اضطره إلى الهجرة والعيش مغترباً، وكان كل ذنبه أنه طالب بالتجديد في النص القرآني، ودفع الثمن باهظاً نتيجة أفكاره التنويريّة ؟! وغُبن مرة أخرى حين طالب بعض النّواب الإسلاميين منع دخوله أرض الكويت، على أساس أنه مفكر سيئ السمعة من وجهة نظرهم!
 
يدور حديث مُكرر في الأوساط الثقافية، لماذا تزايد العنف وتقلّصت رقعة الحريات وطغى التطرف الفكري والديني في مجتمعاتنا العربية! الإجابة واضحة للعيان، كون الواقع الموجود على الأرض مُخجلا ويلاحظه أبسط الناس! فالمثقف العربي الذي يُساهم مساهمة فعّالة بأفكاره المستنيرة في تقدّم مجتمعه، يتم مطاردته في كل مكان كأنه آفة يجب محاربتها والقضاء عليها! وأصبحت الساحة خالية لشيوخ الدين يعبثون بعقول الأفراد كيفما شاءوا، وبرمجة عقولهم على قائمة من الفتاوى الدنيويّة!
 
منع دخول المفكر المصري نصر أبو زيد إلى أرض الكويت، دليل على سيطرة الفكر المتشدد في الداخل! ويؤكد بدليل قاطع على أن كل ما يُقال بأن هناك مناخا فكريا منفتحا في بلداننا العربية، وشيوع فكرة تقبّل الآخر بمذهبه أو فكره أو توجهه أو معتقده، ما هو إلا تهليل مُلفّق، وأن كل ما يُردده الإعلام العربي كذب وافتراء، وأن واقع الحال لا يُبشّر بالخير، بل هناك تشجيع خفي على إشاعة ثقافة العنف وترسيخ فكرة التكفير!
 
لفت انتباهي عبارة جميلة قالها نصر أبو زيد في تعليقه على منعه دخول الكويت، بأن على المثقف أن يتمسّك باستقلاله حتّى لو تبنّى السياسي منظور المثقف. وعلى المثقف أن يكون حامي قيم، وأن يكون حذراً في تحالفه مع السياسي ! وإن أعظم الأفكار تلوثها السياسة في بلاد تعتبر الحرية فساداً وترى المواطنين رعايا!
 
كان الله في عون المثقف العربي الحر في زمن سطوع نجم الأئمة ومشايخ الدين.