فرق نسائيّة سعودية!

فرق نسائيّة سعودية!

فرق نسائيّة سعودية!

لأحد 14/3/2010

 
كلما دُعيتُ لحضور حفل زفاف في جدة، تقوم صاحبة الدعوة الإشارة بيدها إلى الفرقة النسائية التي تُحيي حفلها، قائلة بابتسامة تعلو وجهها إن جميع عضوات الفرقة فتيات سعوديات حاصلات على الشهادة الجامعيّة. وأجدني في كل مرة أفغر فاهي غير مُصدقة! فتلكزني صديقتي مازحة: لقد تغيّر الزمن ولم تعد مهنة الغناء وصمة عار، بل أصبحت مصدر رزق لكثيرات.
 
من المعروف أن تكلفة المغنية في السعودية باهظة، حتّى وصلت أسعار بعض الفرق إلى ثلاثين ألف ريال في الليلة الواحدة. وهو ما جعل الفتيات يتجهن إلى هذه المهنة التي لا يتكلّف تأسيسها أكثر من شراء أورج متطّور وبعض الدفوف، مع تدريب متواصل على الرقص الخليجي، وحفظ الأغاني ذائعة الصيت بين الناس.
 
قرأت منذ فترة أن أباً أجبر ابنته التخلّي عن مهنتها كطبيبة بعد أن بدأ صيتها يلمع كمغنية في الأفراح بمدينة الرياض، معترفة على لسانها أن الصدفة وحدها هي التي قادتها لمهنة الغناء! وأن المبالغ المادية العالية التي تتحصّل عليها من كل حفل جعل الأب يحثها على المضي قدماً في هذا الطريق.
 
اتجاه جامعيات سعوديات إلى تكوين فرق غنائيّة للغناء في الأفراح والمناسبات، تزايدت داخل السعودية مع ارتفاع نسب البطالة بين الإناث، وانحصار المهن النسائية في وظائف محددة، نتيجة تضييق أغلبية شيوخ الدين على عمل المرأة، خاصة تلك التي تُحتّم الاختلاط بالرجال وهو ما يرفضونه جملة وتفصيلاً! بل ووصل حد التطرّف ببعضهم إلى إصدار فتوى تُبيح قتل كل من يُجيز مبدأ الاختلاط في العمل أو التعليم، كما جرى مؤخراً مع الشيخ عبد الرحمن البراك.
 
مهنة الغناء ليست عيباً ما دامت عملًا شريفاً، لكن تخلّي الفتاة الجامعية عن حلمها الذي حفرته بأناملها سنوات طويلة على مقاعد الدراسة، هو الذي يُثير الامتعاض! لا أنكر بأن ظاهرة ترك التخصص العلمي والاتجاه إلى مهن أخرى لكسب العيش لا تقتصر على المرأة وحدها، بل وتتعداه إلى عالم الرجل في بلدان عربية أخرى، فقد لاحظت في مصر على سبيل المثال أن نسبة كبيرة من سائقي سيارات الأجرة حاصلون على مؤهلات عالية، وأن فيهم المهندس والمعلم والمحامي، وأنهم لجأوا لهذه المهنة توفيراً لدخول إضافية حتّى يواجهوا موجة الغلاء!
 
مع هذا أرى بأن ارتفاع نسبة بطالة المرأة بالسعودية، يعود إلى تضييق رجال الدين على عمل المرأة، ورفض إجازة اختلاطها في سوق العمل مع الرجل. وأتساءل: لماذا لم يُحاول إعلامنا المحلي الاستفسار مباشرة من وزارة العمل حول ضآلة نسبة الوظائف المعروضة على المرأة السعودية، ومن ناحية أخرى توجيه لوم لرجال الدين الذين أدّى تشددهم فيما يخصُّ عمل المرأة، إلى جعلها تقبل بوظائف أخرى متواضعة لمواجهة تكاليف العيش الباهظة!
 
أهنئ المرأة في كل مكان بيومها العالمي، وأحيي المرأة السعودية التي تُحاول على كافة الأصعدة الأدبيّة والفكريّة والاجتماعيّة والمهنيّة بشجاعة منقطعة النظير وفي أجواء متشددة، أن تبني لها صرحاً شاهقا على أرض وطنها. لذا فهي تستحق بجدارة أن تكون امرأة العام.