اللغة العربية … الظالمة والمظلومة!

اللغة العربية … الظالمة والمظلومة!

اللغة العربية … الظالمة والمظلومة!

الأحد 18/4/2010

 
في موريتانيا بلد المليون شاعركما يُطلقون عليها، وقعت مواجهات في حرم جامعة نواكشوط بين طلاب فرانكوفونيين مناوئين لتعريب إدارة الجامعة، وبين طلاب مؤيدين للفكرة من محبي اللغة العربية
 
الفئة المطالبة بسيادة اللغة العربية في الجامعة، ترى بأن اللغة الفرنسية لم تزل المعترف بها في النظام التربوي وفي جهات العمل، رغم أن موريتانيا نالت استقلالها منذ عقود، وهو ما يعني استمرار إقصاء اللغة العربية في بلد عربي يعتنق أغلب مواطنيه الديانة الإسلاميّة.
 
الفئة المتمسكة باللغة الفرنسية، ترى بأنها مهمة كونها تُمثّل وسيلة الانفتاح على ثقافات الشعوب الأوروبيّة الأخرى المتحدثة باللغة الفرنسية، وتُوجد الفرص أمام الكثير من الموريتانيين للتواصل والعمل.
 
أضحكني تعليق أحدهم على هذه الواقعة بالقول إن الجامعات العربية لو عرّبت مناهجها في الطب والهندسة، لأصبح العرب اليوم في مقدمة الدول المتحضرة، فهل في هذا الرأي شيء من الحقيقة؟ هل من الممكن بالفعل أن نُحدث انقلاباً لصالحنا، رغم أن شعوبنا العربيّة من خليجها إلى محيطها شعوب استهلاكيّة بامتياز؟!
 
في بداية عهد الثورة الناصرية بمصر، قرأتُ أن فريقاً عالي المستوى من اليابان، زار مصر ليطّلع على النهضة الصناعية فيها، وكان هذا في حقبة الستينيات. انظروا ماذا حدث اليوم! اليابان في مقدمة الدول الصناعيّة بعد أن نفضت عن جسدها أتربة هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ومصر أضحت متأخرة عنها ملايين الأميال!
 
إذا زار امرؤ بريطانيا، سيجد أن هناك الكثير من الطلبة اليابانيين القادمين إليها لدراسة اللغة الإنجليزية، وهذا يعود إلى إدراكهم أن اللغة الإنجليزية هي لغة العلوم والتكنولوجيا ولأهميتها في التواصل مع العالم. هذا في الوقت الذي نجد أن بعض رجال الدين في السعودية ما زالوا يُقدّمون رجلًا ويؤخرون أخرى في التحفّظ على إدراج اللغة الإنجليزية كمادة أساسية في مرحلة الدراسة الابتدائية، كما لا يُوجد إلى اليوم في جامعاتنا السعودية قسم لدراسة اللغات، وهو ما جعل الكثير من الطلبة السعوديين يجدون صعوبة جمّة في تعلّم اللغات عند سفرهم إلى الخارج لتكملة دراساتهم الجامعيّة والعليا.
 
صحيح هويتنا العربية مستمدة من لغتنا التي تُحتّم علينا التمسّك بجذورها، لكن هذا لا يعني أن نُحارب اللغات الأخرى، أو نأخذ موقفاً سلبياً منها! كوننا في أمس الحاجة إليها للإطلاع على حضارات الأمم الأخرى، وهذا لن يكون إلا إذا تعلمنا لغاتها ودرسنا بجديّة إنجازاتها.
 
أتذكّر عند زياراتي العديدة لدول المغرب العربي في مناسبات ثقافيّة دُعيت لها، أن سألتُ زميلات لي في عالم الحرف… ما فائدة تحريركم من براثن الاستعمار، واللغة الفرنسية لم تزل متوغلة في عمق مجتمعاتكم، كأن بينكم وبينها عشقا أبديا لم تستطع بحار الدم تخليصكم منها! الإعلانات المنتشرة في شوارعكم كلها مكتوبة باللغة الفرنسية! شبابكم، أحلامهم محصورة في السفر إلى فرنسا، وإنْ كان الثمن فادحاً بالوقوع في أيدي مافيا الهجرة والموت غرقاً قرب سواحلها.
 
كانت الإجابة دوماً بأن بصمة الثقافة من الصعب أن تتحرر منها مجتمعات عاشت طويلًا تحت عباءة الاستعمار، وهو بالفعل ما يجعلني أنادي بوجوب الحرص على خلق توازن بين لغتنا الحبيبة العربية، وبين النهل من حضارة الغرب بتعلّم لغاته، حتّى نبعث الحياة من جديد في روح حضارتنا.
 
التعصّب للغتنا لن يزيدنا إلا انعزالاً عن العالم من حولنا، الذي أضحى ينظر نحونا على إننا أمّة مغيّبة مُبرمجة عقولها على ذم الغرب، وشتمه ووجوب أخذ الحيطة منه، وإقفال عين وإغماض أخرى حين نمشي على أرضه!