متى نقول وداعاً؟!

متى نقول وداعاً؟!

متى نقول وداعاً؟!

الأحد 10/1/2010

 
أطلقت ملكة برامج الحوارات التليفزيونيّة “أوبرا وينفري” تصريحاً مفاجئاً في الأوساط الإعلامية مفاده أن برنامجها الشهير الذي يحمل اسمها، والذي يُبثُّ في 145 دولة وبلغات مختلفة، سيتوقف في سبتمبر 2011 مع نهاية موسمه الخامس والعشرين.
 
بلا شك أن حياة هذه المرأة السوداء مليئة بالأحداث الصاخبة، وقد بدأت حياتها من الصفر حيث نشأت في أحد الأحياء الفقيرة، لكنها استطاعت أن تشقَّ طريقها بإصرار لتُصبح أشهر مقدمة برامج على مستوى العالم، ويترقّب برنامجها ملايين المشاهدين.
 
لقد استطاع برنامجها جلب الشهرة لأناس كانوا في الظلال وغدوا من ألمع النجوم بعد ما سلّطت “وينفري” الضوء عليهم في برنامجها.كذلك ساهم برنامجها في تحقيق أعلى المبيعات لكتاب أو أغنية. بمعنى أصح يعدُّ برنامجها الفانوس السحري، الذي أرسى أحلام الكثير من الناس المغمورين الذين كانوا يتطلعون أن يلتفت العالم لإنجازاتهم.
 
تفاصيل حياة “أوبرا ونيفري” تستحق أن تُدرّس للأجيال الجديدة، فليس هناك أجمل من أن يتأمل المرء قصة نجاح باهرة لامرأة لم تملك في شبابها مقومات جمال باهرة، ولم تستند في بداياتها الى سواعد أحد، ولم تُحاول تسلّق القمم من الطرقات الخلفية، بل شمّرت عن ساعديها وتسلّحت بعزيمتها واستندت الى قوة شخصيتها، وسعة ثقافتها، وحضورها الأخّاذ، لكي تخترق عالم الإعلام المرئي.
 
كانت مرارة طفولتها التي فتحت عينيها عليها في بيئة تنضح بالفقر والبؤس، سبباً قويّاً لكي تحس بآلام الآخرين وتقف بجانب المحرومين وتغرس الفرحة في قلوبهم.
 
هناك جانب آخر مضيء في شخصية هذه المرأة، كونها قررت الاعتزال وهي في قمة نجاحها، وبعمر لم تزل فيه قادرة على العطاء. خبر يجعل الإنسان يقف مبهوراً ليحيي قرارها الشجاع، في الوقت الذي يلهث فيه أنصاف المذيعين ومقدمي البرامج للاحتفاظ بمواقعهم في القنوات الإعلامية، على الرغم من أفول نجمهم وفشلهم في تطوير أنفسهم وتقديم الجديد، مما يرسم علامة استفهام كبرى.
 
لماذا التشبّث بالمكان والاستماتة من أجل الاحتفاظ بالوظيفة أو الموقع، من سمات الشخصية الإعلامية في وطننا العربي، إذا ما تمَّت مقارنتها بالشخصية الإعلامية في دول العالم المتحضّر؟!
 
ليس هذا فحسب، فهناك ظاهرة انتشرت في السنوات الأخيرة بالقنوات الفضائية العربية، تنحصر في استقطاب الفنانين من مطربين وممثلين لتقديم برامج حواريّة فنيّة، وانصراف بعضهم عن مهنة الفن التي تُمثّل قاعدتهم الجماهيرية نتيجة انغماسهم في هذه النوعيّة من البرامج ؟!
 
هناك مثل شعبي يقول “أعطِ العيش لخبّازيه”! فلماذا هذا الخلط بين الفن والإعلام؟! لماذا صار الفنانون يتهافتون على الشاشة الصغيرة؟! هل يعود هذا إلى إفلاسهم فنيّا، أم يرجع إلى عزوف شركات الإنتاج عن بعضهم نتيجة بلوغهم سن الشيخوخة؟! لماذا لا نتعلّم من سير الناجحين، أن النجاح له قواعد وأصول وقمّة وانحداراً! لماذا لا يعترف نجوم الفن أن لكل صلاة توقيتها؟! ولماذا يصرُّ الفنانون على مزاحمة المذيعين ومقدمي البرامج في تخصصهم المهني ومصدر عيشهم؟!
 
كم جميل أن يتنحّى الإنسان وهو في قمة نجاحه حتّى لا ينهار صرحه الذي بناه في غمضة عين! وكم هو رائع أن يحترم المرء تاريخه أيّاً كان نوعه، فلا يهدره في لحظة طيش من أجل حفنة من المال أو الرغبة في البقاء طويلًا تحت الأضواء.