كفانا فرقة!

كفانا فرقة!

كفانا فرقة!

الأحد 17/1/2010

 
ما يجري في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يُحرّك بحيرة من التساؤلات، حول الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع نبرة رفض الآخر، وشيوع النظرة العنصرية المتطرفة بين المسلمين تجاه كل من يُخالف مذهبهم أو طائفتهم أو دينهم!
 
مؤخراً مع احتفال المسيحيين المصريين بأعياد ميلاد المسيح، أطلق ثلاثة النار عشوائيّاً على مسيحيين وهم خارجون من كنيسة مطرانية نجع حمادي، ما أدى إلى سقوط ثمانية ضحايا مضرجين بدمائهم إضافة إلى عشرات الجرحى! وقد طالبت على أثرها منظمات حقوقيّة بمحاسبة المسؤولين الأمنيين على تقصيرهم، ووجوب حماية حقوق الأقباط داخل وطنهم.
 
وفي ماليزيا التي يبلغ عدد سكانها 28 مليونا وتضم أقليات دينية كبيرة من صينية إلى هندية يعتنقون البوذية والهندوسيّة، ويُشكّل فيها المسيحيون 9 في المئة من الشعب الماليزي، قام مسلمون متطرفون بمهاجمة عدد من الكنائس بسبب حكم قضائي سمح لصحيفة كاثوليكية الإشارة إلى اسم الله بلغة المسلمين “المالايو” في طبعاتها مما أثار حفيظتهم!
 
طبعاتها مما أثار حفيظتهم!
 
في السعودية يظل وضع الشيعة محيّراً ومؤلماً! رغم تأكيد الحكومة على وجوب المساواة بين المواطنين من سنة وشيعة وغيرهم، حيثُ تكمن معاناتهم في مواقف بعض مشايخ الدين المتشددة الذين يشعلون طوال الوقت شعلة التمييز العنصري، ويشككون بين حين وآخر في نوايا الشيعة وولائهم الوطني!
 
كان الشيخ محمد العريفي قد دعا الدول الإسلامية في خطبة له، إلى هدم الكنائس الموجودة على أراضيها، ولم يكتفِ بهذا، بل هاجم الشيعة ومرجعهم الإمام السيستاني، واصفاً إياهم بالمجوس! وزاد الطين بلة، إعلان الشيخ ناصر بن سليمان العمر تذمره من الأقلام التي هاجمت موقف العريفي من الشيعة، مطالباً بوجوب محاكمة كل سني يُعلن تعاطفه مع الشيعة!
 
ما يجري على أراضينا العربية والمسلمة يُثير التقزز، والسبب يعود إلى مشايخ الدين المتطرفين في آرائهم، المنادين من خلال مجالسهم والمساجد التي قدّمت لهم منابرها إلى رفض الآخر والنظر إلى المذاهب الأخرى على أنها خارجة عن ملة الإسلام!
 
المجتمعات المتحضرة صحيحة البنية لا تعيش في البرك الراكدة، بل تحتاج إلى مناخ من التنوّع الفكري والثقافي وعلى احترام حق الإنسان في اختيار ملته وعقيدته وطائفته ومذهبه. والتشدد الذي غدا منتشرا في مجتمعاتنا العربية والمسلمة يتحمّل نتيجته الجميع وعلى الأخص المؤسسة الدينية التي لها دور كبير في ترسيخ مفاهيم خاطئة لا تتناسب مع الحاضر المعبأ بأنواع خطيرة ومعدية من التطرّف الفكري والتخلّف الحضاري!
 
على المثقف العربي اليوم مسؤولية كبيرة. فإذا صار الدعاة همهم تحريض الناس على من يقفون في الرصيف الآخر من الحياة، فهناك واجب إنساني يفرض عليهم الوقوف في مواجهتهم، بالدعوة إلى إقامة مجتمع متجانس يحترم آدمية الإنسان، وحقه في اختيار الدرب الذي يرغبه، والملة التي يريدها، والمذهب الذي يود اعتناقه، دون أن يكتشف وهو يغسل وجهه في الصباح أن هناك فتوى كُتبت في الليل بيد أحد الدعاة تُطالب بهدر دمه! أو يسمع في نشرة الأخبار المسائيّة أن كل من ينتمي لملته أو مذهبه يعدُّ خارجاً عن ملة التوحيد!
 
مجتمعاتنا صارت تدور في دائرة مغلقة، مثل أغنية فيروز الشهيرة “يا دارة دوري بينا”. ولكنني لا أريد أن أدور بل أتمنى أن انظر حولي فأرى جناناً من التسامح والود تسود مجتمعاتنا، ومناخ الحرية العقائدية منتشرا في أفضيتنا.