ضحك على الذقون!

ضحك على الذقون!

ضحك على الذقون!

الأحد 5/9/2010

 
كلها أيام ويرفع شهر رمضان بصماته الطيبة عن كل شيء من حولنا. والملفت بهذا الشهر غلو الناس في التمسّك بالمظاهر الدينيّة، حتّى يظن الغريب الذي يمرُّ بديارنا أن مجتمعاتنا نقية السريرة، ترفل في ثياب العدل والمساواة والحرية. ومن يرَ إعلامنا بقنواته المرئيّة والسمعية التي تستضيف شيوخ دين من كل حدب وصوب، يعتقد بأن بلداننا غدت فاضلة خالية من الخطايا والذنوب، ومن يستمع للخطب الملتهبة المضمون التي تُلقى من فوق منابر المساجد، يظن بأننا نجحنا في تقليم أظافر الانحلال الأخلاقي!
 
حقيقة هناك تساؤلات كثيرة تقف عند طرف لساني تبحث عن إجابات مقنعة! هل أضحى ديننا الإسلامي مجرد طقوس خارجيّة لا دخل لها بمعاملاتنا الدنيويّة؟! لماذا لم ينجح مشايخنا في إقامة مجتمعات يتطابق ظاهرها مع باطنها؟! لماذا على الرغم من كل هذه المظاهر الدينيّة التي تُحاصرنا، بدءا من وجوب تغطية المرأة جسدها من أعلى رأسها لأخمص قدميها، ومرورا بتطويل الرجل للحيته وتقصير ثوبه، وانتهاء بإغراق الناس في هوّة الفتاوى الفوضويّة، تزداد مجتمعاتنا تعصباً ورفضاً للآخر وتهاوناً بالقيم والمبادئ الإنسانيّة؟! لماذا تزداد رقعة الفساد في مجتمعاتنا العربية بالرغم من ارتفاع نبرة الحلال والحرام في شوارعنا ومياديننا العامة؟! لماذا تقلّصت معايير الوفاء والإخلاص في مجتمعاتنا على الرغم من أن تعاليمنا تقوم على هذه المنظومة الأخلاقيّة؟! لماذا ارتفعت نسب الطلاق في مجتمعاتنا العربية نتيجة الخيانة وانعدام المعروف وقلة المروءة بين الزوجين، على الرغم من أن شريعتنا تحثُّ على الود والرحمة؟!

 
أليس ما يجري من تناقضات يدلُّ على تغلغل الازدواجية في مجتمعاتنا العربية؟! أليس ما يجري يُبرهن أن الناس صاروا يتعاملون بمنطق الرياء حتّى يجدوا لهم مكاناً تحت الشمس في بلدانهم بعد أن أدركوا بأن التحدّث باسم الدين سيكون الغطاء الآمن لكل أفعالهم المريبة؟!
 
عشتُ سنوات في بريطانيا، حملتُ معي وأنا أغادر وطني جملة من التصورات التي تلقيتها على مقاعد الدراسة، وما يتردد في أوساطنا الاجتماعيّة من افتراءات، في أن الغرب كافر لا علاقة له بالقيم والمبادئ الأخلاقيّة! لأفاجأ أثناء إقامتي بالشفافية في تعامل الناس مع بعضهم بعضاً. وكيف أن كرامة الإنسان محفوظة بصرف النظر عن هويته. وأن الفساد رغم وجوده يتم إخضاع أصحابه للمساءلة بسلطة القانون. وكيف أن الغريب يأخذ حقه بدون كرت واسطة أو لكونه مسنوداً على كتف مسؤول كبير! لألمس بيدي أن الحياة هناك لها ألوان زاهية بالرغم من مرارة الغربة وعذوبة طعم الوطن!
 
ما زلتُ أرفع حاجبيّ عجباً على بعض التجّار الذين يستغلون هذا الشهر الكريم في التلاعب بالأسعار، ثم أجدهم يُقيمون موائد الرحمن! أليس هذا المسلك ضحكاً على الذقون وتلاعباً بتعاليم الدين؟! تُرى ألم يحن الوقت لأن نأخذ أمور حياتنا بجديّة أكبر؟! ألم يئن الأوان لأن تتحرر مجتمعاتنا من كل هذه الطقوس الظاهرية، بخلق توازن بينها وبين واقع حياتها؟! ألم يحن الوقت لأن يستحث شيوخ الدين، الناس على أن تتطابق أفعالهم مع ما يتفوهون به؟!
 
خلق التوازن في حياتنا مطلوب. ومن حق كل فرد أن يُمارس طقوسه الدينية بحريّة شريطة أن لا يتحوّل الناس إلى مجموعة من الدراويش يتراقصون وسط ساحة الحياة دون أن يعوا ما يجري من حولهم من أخطاء فادحة، أو يصرخوا بملء حناجرهم “الله حي” ثم يمدون أيديهم في الظلام ويعبثون بمقدرات بلادهم من منطلق أن هذه نقرة وتلك نقرة أخرى!