كارثة ملموسة!

كارثة ملموسة!

كارثة ملموسة!

الأحد 28/11/2010

 
من يُتابع القنوات الفضائيّة العربية هذه الأيام، سيجد أن الخبر الرئيسي الذي يتصدّر شاشاتها يدور حول كأس الخليج لكرة القدم. وقد شدّت مبارياتها أنظار ملايين العرب في كل مكان، أكثر مما يجري من أحداث دامية وانتهاكات إنسانيّة بأرض العراق وأفغانستان والسودان!
 
لفت نظري منذ فترة مقال جميل للكاتبة الجزائرية “ليلى بورصاص”، تنتقد فيه وزير التعليم الجزائري لاعتماده كتابا باللغة الفرنسية ضمن منهج المرحلة المتوسطة، يحتوي على صور متعددة للمنتخب الجزائري لكرة القدم مرفقة بتاريخهم الكروي وطريقة تسديد أهدافهم. وقد تساءلت الكاتبة بحسرة عن إغفال الوزير للرموز السامقة من أمثال المناضل الأمير عبد القادر، ولمفكرين عظماء من أمثال الراحل محمد أركون الذي كان من أهم أساتذة جامعة “السوربون” بباريس.
 
وزير التعليم الجزائري برر موقفه بأنه أراد تحبيب التلاميذ في كتاب اللغة الفرنسية، بوضع كل ما يمت بصلة لمنتخبهم الكروي الجزائري، بعد أن صار لاعبو كرة القدم نجوماً لامعين يُشار لهم بالبنان في كافة أنحاء العالم.
 
من وجهة نظري ما سطرته الكاتبة في مقالها لا يقتصر على المجتمع الجزائري فقط!! فكافة مجتمعاتنا العربية من محيطها لخليجها هناك انحدار في ثقافة الناشئة! ولم تعد المؤسسات الرسمية تعبأ برموزها الفكرية السامقة، أو تحرص على تعريف الأجيال الصاعدة بمناضليها وغدا دورها ينحصر في إقامة سرادق عزاء للتحدّث عن مناقبهم بعد رحيلهم عن الدنيا ثم تضمر التراب عليهم وينفضُّ الجمع لتغيب ذكراهم مع مرور الزمن عن ذاكرة شعوبهم! ولم تعد الأجيال الجديدة يجذبها أو يستهويها سوى تتبّع إنجازات فريقها الذي تُشجعه، أو ملاحقة مجريات مباريات العالم في كرة القدم ومن الذي سيسعده الحظ لنيل كأس البطولة.
 
شريحة الشباب التي من المفترض أن تحدث على يديها حركة التغيير مستقبلا، تثير القلق. فالجيل الجديد مهووس بتقليد نجوم كرة القدم العالميين في كل شيء، في ملبسهم وقصة شعرهم وطريقة حياتهم، وعندهم هوس لمعرفة كل شيء عن حياتهم الخاصة والعامة، وهذا يعني أن الشباب مغيّب عن قضايا مجتمعه! والتغييب يعني بأن المستقبل سيكون قاتم الرؤيا، مشلول القدمين لا يملك القدرة على مواجهة رياح التغيير، أو التأقلم مع المستجدات الحاصلة مع تطور العصور، أو لديه الاستعداد الكافي لمواجهة أعاصير السلبيات التي تُحاصره من كافة الاتجاهات.
 
قد يرى البعض بأن رؤيتي قاتمة، وأن الإعجاب بنجوم الكرة ظاهرة عالمية في كل مجتمعات العالم. هذا الرأي صحيح إلى حد كبير، لكن الغرب مجتمعاته محصّنة بتعليم متطوّر، ومناخ ديمقراطي راسخ، وينعم الأفراد بحرية التعبير التي يكفلها لهم الدستور، والأهم هناك مؤسسات مدنيّة حقيقيّة تحمي أرضيّة مجتمعاتهم من الزلازل القاتلة، ومن الوقوع في براثن التخبّط والتخلّف.
 
لا أريد أن أكون خبيثة النيّة! ولكنني بتُّ أشكُّ في أن أغلبية بلداننا العربية حكوماتها تقصي شبابها عن الساحة الثقافيّة والسياسيّة، بإلهائهم بلعبة كرة القدم وإغراقهم في لجج الفن الهابط، حتّى لا تفتح على نفسها طاقة جهنم، ويقوم الشباب بقلب الطاولة على الجميع! لذا فهي مسرورة بالإعاقة الفكرية التي يحيا فيها الشباب العربي، ومطمأنّة لغياب رموز القدوة عن ذاكرتهم.
 
إن كساد سوق الفكر المستنير، والعزوف عن الفن الراقي من قبل الأجيال الصاعدة، برهان دامغ على أننا مقبلون على عصر ظلام جديد، بالرغم من الضوء الساطع الذي يشعُّ من المجتمعات المتحضرّة ليُنبهنا دون قصد أن مجتمعاتنا العربية بحاجة إلى صحوة شاملّة.