الفساد…وقروش البحار!

الفساد…وقروش البحار!

الفساد…وقروش البحار!

الأحد 12/12/2010

 
عندما يتردد اسم الفقر بأي رقعة في العالم، لا بد أن ترافقه كلمة فساد. ولا تُوجد دولة ثرية بمواردها الطبيعيّة ينخر الفقر في جسد أفرادها، ويُعاني شبابها من البطالة، وتُصاب بنيتها التحتيّة بالشيخوخة، وتكثر زلاّتها، وتتكشّف فضائحها المدويّة كل يوم أمام الملأ، إلا ويكون الفساد المتمثل في حكومات مرتشية ومسؤولين انتهازيين، المتورّط الحقيقي خلف وقوع هذه الطامة الكبرى!
 
حدّث ولا حرج عن رائحة الفساد الكريهة التي تعمُّ فضاءات أغلبية بلداننا العربية، وتنتشر في أزقتها الخلفية، وتعم شوارعها الرئيسيّة. وصار الفساد بأنواعه يسير متبختراً أمام الملأ وينظر في الوجوه المحدقة به بوقاحة دون أن ترتعش جفونه، بعد أن أضحى يُمثّل القاعدة الشائعة التي تقوم عليها مجتمعاتنا، والنزاهة والشرف والأمانة أضحت صفات استثنائيّة يُنظر لصاحبها بريبة واستنكار!
 
هناك قصص مأساويّة كثيرة تتحدّث عمّا خلّفه الفساد من دمار، وما ألحقه من جدب وقحط على الأرض التي يحطُّ فيها بقدميه! لكن رغم كم المهازل وفداحة الأثمان التي تدفعها شعوبنا العربيّة جرّاء تفشّي الفساد فيها، ما زال العالم بأسره يحرص على الاحتفاء بيوم التاسع من ديسمبر الذي خصصته الأمم المتحدة من كل عام لمكافحة كافة صور الفساد، ويحثُّ الحكومات القضاء عليه رأفة بشعوبها وحفاظاً على مستقبل أجيالها القادمة.
 
ما حدث في مصر مؤخراً من تشكيك في سير الانتخابات النيابيّة، جعل صحافة المعارضة في مصر تُشهّر بها إلى حد إطلاق نكات ساخرة عليها! وأذكر قصة طريفة حول ما أخذ يُردده بعض الخبراء المصريين، عن أن هناك عوامل بيئيّة وراء هجمات أسماك القرش على السيّاح بمدينة شرم الشيخ المصريّة المطلة على البحر الأحمر، فعلّقت صديقتي المصرية هازئة على هذا الرأي بالقول: يظهر أن سمكة القرش التي التهمت السائحة الألمانية هي سمكة نزيهة، أرادت من خلال تصرفها العدواني بعث رسالة احتجاج، ولفت أنظار العالم المتحضّر أن الفساد السياسي قد استشرى في الأوساط النيابيّة بمصر واقتحمها عنوة “دون إحم أو دستور”، وهو ما جعل سمكة القرش المسكينة تسنُّ أسنانها غضباً وتلتهم غيظاً كل من يعترض طريقها!
 
نصحتها بأن لا تكون ظالمة، وأن تتحلّى بالعدل والإنصاف، فمصر لا تمثّل حالة نادرة ولا تُغرّد بمفردها خارج السرب! وأن أغلبية مجتمعاتنا العربية تلتصق على سطحها بقع فساد داكنة وإن كانت بنسب متفاوتة، حسب اختلاف نظامها السياسي! وتورّط حكوماتها في عمليات مشبوهة!
 
في استفتاء عشوائي حول الفساد، أظهرت الدراسات أن الفساد يُعتبر المشكلة الرئيسيّة التي تقضُّ مضاجع الناس بعد الفقر! ولكن من الصعب على المرء أن يجد الفقر والفساد في بلاد تتمتع مجتمعاتها بالديمقراطية والحريات وتتوفّر في دساتيرها مبادئ العدالة الاجتماعية. لذا فزوال الفقر ودحر الفساد، مرتبطان بإرساء الحريات واحترام حقوق الإنسان في وطنه، من خلال بناء مجتمعات مدنية حقيقيّة تُحافظ على أمن وسلامة الأوطان، وإخضاع أي مسؤول مهما علا أول قلَّ شأنه للمساءلة القانونيّة إذا نهب ثروات بلاده أو أنتهك حرمتها مستغلاً موقعه الوظيفي أو سلطته أو نفوذه المالي!
 
هل الشعوب العربية تتحمّل جزءاً مما يجري على أرضها من مهازل كونها تُفرّط في حقوقها؟! هل يعود هذا التصرّف السلبي إلى قلة وعي المواطن العربي بحقوقه؟! هل الشعوب العربية بريئة مما يجري كونها تحيا مثقلة بهمومها وتدور حول ساقية مطالبها المعيشيّة، مما يجعلها تغضُّ النظر عمّا يقع في أوطانها من مفاسد؟! دوماً في جعبتي أسئلة مُحيّرة تبحث عن إجابات مقنعة!