هل كان جيفارا العرب؟!

هل كان جيفارا العرب؟!

هل كان جيفارا العرب؟!

الأحد 15/5/2011

 
منذ أسابيع قليلة، كنتُ قد استيقظتُ على مكالمة من صديقة تُخبرني أن بن لادن قد قُتل. أغلقتُ الهاتف وهرعتُ إلى التلفاز لأتابع بحواسي السمعيّة والبصريّة تفاصيل عملية مقتل بن لادن.
 
هناك من بكى بن لادن واعتبره شهيد الأمة، وعندما سألتهم عن سبب حزنهم الشديد عليه، وهو الرجل الذي شوّه سمعة الإسلام والمسلمين في الغرب بدءاً من أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى يومنا هذا، جاءت إجابتهم متقاربة بأنه الوحيد الذي استطاع التصدّي لجبروت أميركا وتلقينها درساً قاسياً في عقر دارها.
 
مجتمعاتنا العربية للأسف لم تزل تحمل عقدة الدونيّة في أعماقها نتيجة انتكاستنا الحضارية، وبسبب عوامل تاريخيّة كثيرة، وهو ما سيجعل الأفكار الدينية المتطرفة ستعيش أمداً طويلًا بيننا! فكاذب من يظن بأن الأفكار تموت بموت أصحابها، خاصة إذا كان هناك من يؤمن بمبادئها ويعتنق منهجها سواء تلك التي تقبع في أقصى اليمين أو بأقصى اليسار، أو تلك التي تقف في المنتصف لتُحقق الفكر المتوازن في الحياة.
 
هناك من اعتبر بن لادن جيفارا العرب! فهل كان أسامة بن لادن بالفعل كذلك؟! ربما أرجعوا ذلك لتشابه النهاية المأساوية إلى حد كبير لبن لادن مع نهاية المناضل الثوري الكوبي الأرجنتيني المولد “تشي جيفارا” صاحب المقولة الشهيرة ” أنا لستُ محرراً. المحررون لا وجود لهم. الشعوب وحدها هي من تُحرر نفسها. لا أعرف حدوداً فالعالم بأسره وطني”. الذي ترك المناصب العليا من أجل أهداف إنسانية، تتمحور في مواجهة الإمبريالية الأميركيّة ووقف استغلالها لثروات أميركا اللاتينية.
 
من المعروف أن جيفارا قد تمّ القبض عليه حيّاً في أحد وديان بوليفيا بعد معركة شرسة مع الجيش البوليفي بمشاركة فرقة من الـ”سي. آي. أيه”، ويُقال بأنه أُسر حيّاً بعد مقتل فرقته إلى أن تمّت تصفيته جسديّاً عام 1967م. وقد رفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأسرته أو تعريف أحد بمكان مقبرته حتّى لا تُصبح مزاراً للثوار بكافة أنحاء العالم.
 
يرى عدد من المثقفين أن بن لادن قد مات مع اندلاع ثورة “الياسمين” بتونس وقيام ثورة “اللوتس” في مصر. وأن فكر بن لادن المتطرف قد تراجع مع خروج الشباب الواعي الثائر إلى الميادين والساحات العامة أعزل بدون سلاح، ليُطالب بإرساء مبادئ الديمقراطية المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة في أوطانه.
 
أرى بأن أفكار جيفارا هي الأقرب لفكر شباب اليوم، وهذا هو الفرق بين الفكر المتطرف الذي كان يُنادي به بن لادن الذي يصب في إقامة إمارات إسلامية، وبين مطالب جيفارا المتمثلة في قيم نبيلة تصبُّ في احترام مطالب الشعوب وحقها في الاستقلال وفي تمتعها بخيرات بلادها.
 
جميعنا ضد التمثيل بجثث الأحياء والأموات أيّا كانت ملّتهم ومذهبهم، وهو ما جعل الكثير من الناس تستهجن ما قامت به أميركا بإلقاء جثته في البحر. لكن أصعب المواقف في الحياة أن يبدأ الإنسان مناضلًا شريفاً يحمل على منكبيه أحلاماً نبيلة من أجل أمته ثم يحيد عن الطريق السوي ويخلع آدميته ويعتنق العنف بحجة أنه هو الطريق الأوحد لخلاص البشرية!