الليبرالية كما أفهمها

الليبرالية كما أفهمها

الليبرالية كما أفهمها

الأحد 22/5/2011

 
من حين لآخر يُطرح عليّ سؤال… هل تُصنفين نفسك كامرأة ليبرالية؟! وما رأيك في الجدل الدائر حالياً على الساحة الثقافية حول مفهوم الليبرالية؟! ما موقفك من الاتهامات التي يرميها الليبراليون في وجه الإسلاميين، وأنهم يريدون إعادة الناس إلى عصور التخلّف، وإلى الاتهامات التي يُلقيها الإسلاميون في وجه الليبراليين بأنهم يهدفون إلى تغريب مجتمعاتهم؟! ألا ترين بأن كلا الطرفين وإن أحسنا النية يقودان مجتمعاتهما إلى طريق مسدود؟!
 
في عالمنا العربي يتحرّج كثير من المثقفين إدراج أنفسهم في قائمة الليبراليين، وذلك يعود للمفهوم الضيق الذي تنظر إليه مجتمعاتنا لليبرالية بأنها تعني الانسلاخ عن الموروث العربي والإسلامي بكل ما فيه، ونعت أصحابها بالإلحاد والكفر!
 
حقيقة لم أشغل نفسي يوماً بفك طلاسم المصطلحات الخاصة بمعاني الليبرالية! ولم يحتر فكري لحظة في أي الطرق أختار لأسلم من القيل والقال، ومن شبهة مصاحبتي لها في وقت من الأوقات! كوني أؤمن بأن الليبرالية هي نهج حياة وتمسّك بمبادئ إنسانية حضارية أحلم بتطبيقها على أرض الواقع قبل أن أؤمن بها كخطاب أيدلوجي محض!
 
الكاتب خالد الدخيل في مقال له حول مفهوم الليبرالية، يتعجّب من تخوّف أغلبية المجتمعات العربية من الليبرالية المتعلقة بالموروثات الثقافية لحرصها على هويتها العربية والإسلامية، في الوقت الذي تسعى كافة مجتمعاتنا للاستفادة من الإنجازات التكنولوجية للحضارة الغربية، التي تعدُّ في الأصل جزءاً لا يتجزأ من الليبرالية، مبدياً تعجبه من هذا التناقض وكأنهما عنصران منفصلان عن بعضهما بعضاً!
 
من المعروف أن الليبرالية تقوم على مبادئ وقيم إنسانية نبيلة تتمثل في احترام الحرية والفردية والتعددية، وهي مطالب ظلّت الشعوب تتمسك بها على مدار الأزمنة منذ أن عمّر بني آدم الأرض. وفي رأيي بأن ما وقع بالأمس في تونس ومصر وما يجري حالياً في عدد من العواصم العربية، ما هو إلا تجسيد جميل لمعاني الليبرالية التي تُنادي بتساوي الجميع أمام القانون، وبتطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية بين كافة شرائح المجتمع دون تمييز بين طبقة وأخرى، خاصة على هؤلاء الذين عاثوا خراباً داخل أوطانهم!
 
يرى المفكر الفرنسي (جان جاك روسّو) أن الحرية الحقة هي أن نُطيع القوانين التي أشترعناها لأنفسنا. بمعنى وجوب التحرر من الاستبداد السياسي والاجتماعي. لذا أصبح لزاما على المفكرين العرب وضع خطاب تنويري يقوم على احترام الدول العربية لمطالب شعوبها وتحديث واقعهم الاجتماعي حتّى يُواكبوا روح العصر.
 
ليس من المعقول في الألفية الثالثة أن نقف على قارعة الطريق ونقتات من حضارة الغرب بحذر، دون أن نخلق وعياً فكريّاً في الداخل، لأن هذا سيجعلنا في نهاية المطاف نعيد أنفسنا لعصر الكهوف المرادف للظلام الدامس والتخلّف الحضاري.
 
هناك بين المثقفين العرب من يُردد همساً دون أن يُفصح علنا! أن الليبرالية قد تأسست على احترام العقل البشري الذي بلغ قمة نضجه في عصر الثورة المعلوماتية، وأن الأوان قد حان لأن يُدير العقل العربي مصالحه الدنيوية، وأن يتحمّل تبعات تصرفاته كاملة، دون وصاية من مشايخ الدين الذين أصبحوا يحشرون أنوفهم ويفتون في كل صغيرة وكبيرة تتعلّق بالتفاصيل اليوميّة للإنسان العربي المسلم حتّى أضحى مع مرور الوقت “روبوت” يتحرّك بفتاوى عقيمة.
 
غضب الشعوب العربية هو في الأصل ضد الخنوع والاستسلام وفيه دعوة لاحترام مكانة الإنسان داخل أرضه. إنها ليبرالية متحضرة بنكهة عربية أصيلة. فإذا كانت الاحتجاجات الدائرة ضد الظلم ودعوة للمساواة والحرية فمرحى بالليبرالية ضيفة عزيزة على قلوبنا