السقوط المدوّي!

السقوط المدوّي!

السقوط المدوّي!

الأحد 12/6/2011

 
عندما يكون المرء على شفا خطوة من تحقيق نجاح مُبهر، ثم يتعثّر ويتهاوى جسده ليجد نفسه نهاية الأمر في قعر بئر عميق مظلم ليس له منافذ للخروج إلى النور، فهذه هي الطامة الكبرى! ليس هناك أسوأ من أن يُهدر المرء سنوات طويلة من عمره في بناء تلال من الإنجازات ليجدها تتهاوى فجأة أمام ناظريه، مثل قصور الرمال التي يبنيها الأطفال على الشواطئ، وتجيء موجة عالية وتمحوها في غمضة عين!
 
هناك مثل شعبي مصري قديم “امش عدل يحتار عدوك فيك”. ويظهر بأن (دومينيك ستراوس) لا يعرف هذه الحكمة، أو ربما لا يؤمن بها لذا وقع له ما وقع.
 
هذا الرجل الذي ما زال يشغل رئيس صندوق النقد الدولي قضى مؤخراً أسابيع في سجن يُعدُّ من أسوأ سجون مدينة نيويورك، وتمَّ الإفراج عنه بكفالة تُقدّر بمليون دولار. ما زال “سترواس” ينتظر حكماً قضائيّاً قد يصل إلى العشرين عاماً بسبب الاتهامات الموجهة له والمتضمنة التحرّش الجنسي، ومحاولة الاغتصاب والاحتجاز غير الشرعي لمواطنة أميركيّة تعمل عاملة نظافة بالفندق الذي كان يُقيم فيه بمدينة نيويورك، قبل أن يتمَّ القبض عليه، وهو في طريق عودته لبلده فرنسا.
 
كان من المفترض أن يترشّح “ستراوس” للرئاسة بعد عام من الآن، وهو ما يعني احتمال كبير لضياع فرصة ترشحه للرئاسة في حال تمَّ الحكم عليه بالسجن. وقد غلب الحزن على أعضاء اللوبي الصهيوني كونهم خسروا شخصاً مهماً يُعتبر من أشرس المدافعين عن سياسة إسرائيل العنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب، على الرغم من أنه تربّى في المغرب، وينتمي لعائلة يهودية متدينة. وهو صاحب المقولة الشهيرة: كل صباح أستيقظ وأتساءل.. كيف يُمكنني أن أكون مفيداً لدولة إسرائيل؟!
 
يُردد بعض الفرنسيين أن هناك مؤامرة قد أُحيكت بمهارة من قبل خصوم ستراوس السياسيين للإيقاع به، وإنهاء تاريخه السياسي بفضيحة مدوية، وأن عاملة النظافة مدفوعة قصداً لتوريط الرجل! ويرى آخرون بأنه يستحقُّ ما جرى له خاصة، وأن سجله حافل في الاختراقات الجنسية داخل بلاده فرنسا، ومعروف في تاريخه أنه زير نساء من الطراز الأول.
 
الساحات السياسية بكافة بلدان الأرض تتخللها الكثير من المناورات الدنيئة والخدع البصرية، ولا شيء مستبعد فيها! وقد كتبت يوماً في واحدة من مقالاتي أن عالم السياسة، مثل المرأة اللعوب التي تضع على وجهها المساحيق الرخيصة، وتلبس الملابس المبتذلة، وتُمارس كافة أنواع السبل الملتوية للوصول إلى مرادها واستنزاف الضحايا لسلبهم كل ما يملكون!
 
لم تقف النسوة في فرنسا مكتوفات الأيدي، بل خرجن في مظاهرة بباريس احتجاجاً على تعاطف الإعلام الفرنسي مع “ستراوس” وتجاهل الضحية التي تعود إلى أصول غينية لما تعرضت له من أذى نفسي وامتهان لآدميتها. وقد أطلقت المنظمات النسائية حملة تبرعات لمصلحة عاملة النظافة المغبونة من وجهة نظرها.
 
بصرف النظر عمّا ستنتهي إليه القضية، إلا أن هذه الواقعة الشهيرة تجعل الإنسان الناجح مهنيّاً يُدرك بأن لا أحد فوق سقف القانون! وأن قمم النجاح لا تحمي أي امرىء من الانبطاح على وجهه! وأن الانحدار إلى الهاوية أسهل كثيراً من تسلّق القمم! مما يستوجب على الإنسان الناجح احترام مسيرته.
 
إن النجاحات التي نحصدها على مدار عمرنا لا تعني أن نقاط ضعفنا قد تلاشت وتبخرت إلى الأبد، فهناك من حولنا من يُراقب خطواتنا بدقة ويُفتّش بذكاء عن نقاط ضعفنا متحيناً الفرص للانقضاض علينا، حين يُفكّر أحدنا بلوغ هامات السحب.