رسالة حكيمة

رسالة حكيمة

رسالة حكيمة

الأحد 24/7/2011

 
احتفلت جنوب أفريقياً مؤخراً مع الزعيم والمناضل السياسي الأفريقي “نيلسون مانديلا” وأسرته بعيد ميلاده الثالث والتسعين. وقام محبوه بتقديم مجموعة من الأعمال التطوعيّة الاجتماعية في أرجاء البلاد على مدى 67 دقيقة، تعبيراً وامتناناً لما قدّمه هذا الرجل من تضحيات وأعمال جليلة لأبناء جلدته، وإشارة إلى عدد السنوات التي قضاها لإنهاء الحكم العنصري، الذي كان معمولًا به على مدى عقود طويلة داخل بلاده.
 
كان قد تسرب منذ فترة وجيزة على مواقع بالإنترنت رسالة منسوبة إلى الرئيس مانديلا، يُخاطب من خلالها الشعبين المصري والتونسي. وعلى الرغم من تشكيك الكثيرين في صحة نسبتها لهذا الرجل شخصيّا، فإنها تزخر بحقائق تاريخية كبيرة عن مانديلا بعد إطلاق سراحه من سجنه الطويل.
 
يستحضر مانديلا في مستهل رسالته عبارة رسولنا محمد الشهيرة “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. طالباً من الشعبين المصري والتونسي التحرر من الأحقاد والتخلّي عن التشفّي، والتفرّغ للإصلاح، وتنقية الأجواء، والتعامل مع المستقبل بواقعيّة وبعيون مشرقة وعدم التوقّف طويلًا أمام تفاصيل الماضي المرير، على اعتبار أن أتباع النظام السابق في النهاية هم مواطنون واحتوائهم ومسامحتهم تُعتبر أكبر هدية للوطن، مُذكراً بأنه كان أول من صفح وغفر عن أشرس أعدائه الذين حكموا عليه بالنفي في جزيرة نائيّة داخل زنزانة ضيقة لمدة تُقارب الثلاثة عقود.
 
يقول في رسالته إنه لحظة خروجه من السجن كان هناك سؤال يدور في فكره… كيف يمكن التعامل مع إرث الظلم وإقامة العدل مكانه؟! كان مدركاً بأن إقامة متاريس العدالة أصعب بكثير من هدم أعمدة الظلم، وأن نبذ الماضي يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والقوة.
 
سواء كانت رسالة مانديلا بالفعل صادرة عنه أو مفبركة مثل الكثير من الرسائل التي تردنا على بريدنا الإلكتروني، إلا أن مضمونها مليء بالحكم الحياتيّة ويحتوي على ملاحظات جديرة بالاهتمام. من أهمها قرار مانديلا وقتها تشكيل لجنة (الحقيقة والمصالحة)، وأن قراره كان نابعاً من خوفه على عودة الديكتاتورية إلى وطنه، وحرصه على إبعاد بلاده عن الوقوع في مستنقع الحروب الأهلية التي تورّطت فيها دول عديدة! مؤكداً بأن التسامح مع البيض والتخلّي عن نبرة الانتقام هي التي جعلت جنوب أفريقيا تُمثّل واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني.
 
من المعروف أن الثورات على مدى التاريخ تأخذ وقتاً حتّى تقطف ثمارها، كثورة فرنسا العظيمة التي امتدت لسبع سنوات حتّى نضجت ملامحها، لكن الأزمان تغيّرت والظروف اختلفت عن الأمس، ونجاح ثورة لا يعني أن تعمّ الفوضى أراضيها، وأن لا تعبأ الأحزاب السياسية بالمحافظة على كيان الدولة من الانهيار والسقوط كي لا يؤدي سقوطها إلى مأساة مُفجعة سيتجرّع نتائجها المجتمع بكافة شرائحه! وفرق كبير بين سقوط الدولة التي هي مسؤولية تقع على عاتق كل مواطن شريف، وبين سعي الجميع إلى سقوط نظام ديكتاتوري!
 
زرتُ مصر بعد الثورة ورأيتُ صفحات الوجوه السعيدة التي عكست مشاعر التخلّص من نظام فاسد جثم على أنفاسها لأكثر من ثلاثة عقود. وشاهدتُ أيضاً كيف أصبح المصريون فخورين بالثورة التي أشعلها شبابهم، لكن في الوقت نفسه تألمت من مظاهر الركود الاقتصادي التي عمّت أرجاء مصر، وتملكني شعور الغضب وأنا ألمح بعض الوجوه المتملقة تُحاول اقتناص الفرص وسحب إنجازات الثورة من تحت أقدام أصحابها الحقيقيين، وهو ما يجعلني أتمنى أن يقرأ شباب مصر الواعي ومثقفوها النزهاء سطور نيلسون مانديلا قراءة متأنية فليس هناك أجمل من الأوطان في عيون أبنائها.